أسلمناكم ، ذكره ابن إسحاق. والثاني : لو كنا نحسن القتال لاتّبعناكم. والثالث : إن معناه : أن هناك قتلا وليس بقتال ، ذكرهما الماورديّ.
قوله تعالى : (هُمْ لِلْكُفْرِ) أي : إلى الكفر (أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) أي : إلى الإيمان ، وإنما قال : يومئذ ، لأنهم فيما قبل لم يظهروا مثل ما أظهروا ، فكانوا بظاهر حالهم فيما قبل أقرب إلى الإيمان. قوله تعالى : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) فيه وجهان ذكرهما الماورديّ : أحدهما : ينطقون بالإيمان ، وليس في قلوبهم إلا الكفر. والثاني : يقولون : نحن أنصار ، وهم أعداء. وذكر في الذي يكتمون وجهين : أحدهما : أنه النّفاق. والثاني : العداوة.
(الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٦٨))
قوله تعالى : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ) قال ابن عباس : نزلت في عبد الله بن أبيّ. وفي إخوانهم قولان : أحدهما : أنهم إخوانهم في النّفاق ، قاله ابن عباس. والثاني : إخوانهم في النّسب ، قاله مقاتل. فعلى الأول يكون المعنى : قالوا لإخوانهم المنافقين : لو أطاعنا الذين قتلوا مع محمّد ما قتلوا ، وعلى الثاني يكون المعنى : قالوا عن إخوانهم الذين استشهدوا بأحد : لو أطاعونا ما قتلوا.
قوله تعالى : (وَقَعَدُوا) يعني القائلين قعدوا عن الجهاد. قوله تعالى : (فَادْرَؤُا) أي : فادفعوا (عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنّ الحذر ينفع مع القدر.
(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩))
قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) قرأ ابن عامر : قتّلوا بالتشديد. واختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال : أحدها : أنها نزلت في شهداء أحد.
(٢٣٧) روى ابن عباس عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لما أصيب إخوانكم بأحد ، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ، ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة في ظلّ العرش ، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ، وحسن مقيلهم ، قالوا : ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا ، لئلّا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب ؛ قال الله تعالى : أنا أبلغهم عنكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية» وهذا قول سعيد بن جبير ، وأبي الضّحى.
والثاني : أنها نزلت في شهداء بدر لما أفضوا إلى كرامة الله عزوجل وقالوا : ربّنا أعلم إخواننا ،
____________________________________
(٢٣٧) حديث حسن بطرقه وشواهده. أخرجه أبو داود ٢٥٢٠ والحاكم ٢ / ٨٨ وأبو يعلى ٢٣٣١ وأحمد ١ / ٢٦٦ والبيهقي ٩ / ١٦٣ والواحدي في «أسباب النزول» ٢٦١ عن عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن أمية ، عن أبي الزبير عن سعيد بن جابر عن ابن عباس ، ورجاله ثقات. وقد صرّح ابن إسحاق بالتحديث في رواية أحمد ، وحديثه حسن. وأخرجه أحمد ١ / ٢٦٥ ـ ٢٦٦ والطبري ٨٢٠٥ عن أبي الزبير عن ابن عباس وإسناده منقطع أبو الزبير لم يسمع من ابن عباس كما في مراسيل ابن أبي حاتم ص ١٩٣. ويشهد له حديث ابن مسعود. أخرجه مسلم ١٨٨٧ والطيالسي ١١٤٣ والبيهقي ٩ / ١٦٣ والطبري ٨٢٠٨ ، والله أعلم.