أحدهما : أن معناه : يخوّفكم بأوليائه ، قاله الفرّاء ، واستدلّ بقوله تعالى : (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً) (١) أي : ببأس ، وبقوله تعالى : (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) (٢) أي : بيوم التّلاق. وقال الزجّاج : معناه : يخوّفكم من أوليائه ، بدليل قوله تعالى : (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ). وهذا قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وإبراهيم ، وابن قتيبة. وأنشد ابن الأنباريّ في ذلك (٣) :
وأيقنت التّفرّق يوم قالوا |
|
تقسّم مال أربد بالسّهام |
أراد : أيقنت بالتّفرّق. قال : فلما أسقط الباء أعمل الفعل فيما بعدها ونصبه. قال : والذي نختاره في الآية : أن المعنى : يخوّفكم أولياءه. تقول العرب : قد أعطيت الأموال ، يريدون : أعطيت القوم الأموال ، فيحذفون القوم ، ويقتصرون على ذكر المفعول الثاني. فهذا أشبه من ادّعاء «باء» ما عليها دليل ، ولا تدعو إليها ضرورة.
والثاني : أن معناه : يخوّف أولياءه المنافقين ، ليقعدوا عن قتال المشركين ، قاله الحسن والسّدّيّ ، وذكره الزجّاج.
قوله تعالى : (فَلا تَخافُوهُمْ) يعني : أولياء الشّيطان (وَخافُونِ) في ترك أمري. وفي «إن» قولان : أحدهما : أنها بمعنى : «إذ» ، قاله ابن عباس ، ومقاتل. والثاني : أنها للشّرط ، وهو قول الزجّاج في آخرين.
(وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٧٦))
قوله تعالى : (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) ، قرأ نافع «يحزنك» «ليحزنني» «ليحزن» بضم الياء وكسر الزاي في جميع القرآن ، إلا في (الأنبياء) (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ) (٤) ، فإنه فتح الياء ، وضمّ الزاي. وقرأ الباقون كلّ ما في القرآن بفتح الياء وضمّ الزّاي. قال أبو عليّ : يشبه أن يكون نافع تبع في سورة (الأنبياء) أثرا ، أو أحبّ أن يأخذ بالوجهين. وفي الذين يسارعون في الكفر أربعة أقوال : أحدها : أنهم المنافقون ، ورؤساء اليهود ، قاله ابن عباس. والثاني : المنافقون ، قاله مجاهد. والثالث : كفّار قريش ، قاله الضّحّاك. والرابع : قوم ارتدّوا عن الإسلام ، ذكره الماورديّ.
وقيل : معنى مسارعتهم في الكفر : مظاهرتهم للكفّار ، ونصرهم إيّاهم. فإن قيل : كيف لا يحزنه المسارعة في الكفر؟ فالجواب : لا يحزنك فعلهم ، فإنّك منصور عليهم.
قوله تعالى : (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) فيه قولان : أحدهما : لن ينقصوا الله شيئا بكفرهم ، قاله ابن عباس ، ومقاتل. والثاني : لن يضرّوا أولياء الله شيئا ، قاله عطاء.
قال ابن عباس : والحظّ : النّصيب ، والآخرة : الجنّة. (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) في النّار.
(إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٧))
__________________
(١) سورة الكهف : ٤.
(٢) سورة غافر : ١٥.
(٣) البيت للبيد بن ربيعة «الأغاني» ١٥ / ١٣٣.
(٤) سورة الأنبياء : ١٠٣.