قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ) ، قال مجاهد : المنافقون آمنوا ثم كفروا ، وقد سبق في (البقرة) معنى الاشتراء.
(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٧٨))
قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) ، اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال : أحدها : في اليهود والنّصارى والمنافقين ، قاله ابن عباس. والثاني : في قريظة والنّضير ، قاله عطاء. والثالث : في مشركي مكّة ، قاله مقاتل. والرابع : في كلّ كافر ، قاله أبو سليمان الدّمشقيّ. وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ونافع : «ولا يحسبنّ الذين كفروا» «ولا يحسبنّ الذين يبخلون» «ولا يحسبنّ الذين يفرحون» بالياء وكسر السين ، ووافقهم ابن عامر غير أنّه فتح السين ، وقرأ حمزة بالتاء ، وقرأ عاصم والكسائيّ كلّ ما في هذه السّورة بالتاء غير حرفين (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا)(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) فإنّهما بالياء ، إلا أن عاصما فتح السين ، وكسرها الكسائيّ ، ولم يختلفوا في (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا) أنها بالتاء. (نُمْلِي لَهُمْ) : أي : نطيل لهم في العمر ، ومثله : (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا). قال ابن الأنباريّ : واشتقاق «نملي لهم» من الملوة ، وهي المدّة من الزّمان ، يقال : ملوة من الدّهر ، وملوة ، وملوة ، وملاوة ، وملاوة ، وملاوة ، بمعنى واحد ، ومنه قولهم : وتمل حبيبا ، أي : لتطل أيّامك معه. قال متمّم بن نويرة :
بودّي لو أني تملّيت عمره |
|
بما لي من مال طريف وتالد (١) |
(ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٩))
قوله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) في سبب نزولها خمسة أقوال :
أحدها : أنّ قريشا قالت : تزعم يا محمّد أنّ من اتّبعك فهو في الجنّة ، ومن خالفك فهو في النّار؟! فأخبرنا بمن يؤمن بك ومن لا يؤمن ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول ابن عباس (٢).
والثاني : أن المؤمنين سألوا أن يعطوا علامة يفرّقون بها بين المؤمن والمنافق ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول أبي العالية.
(٢٤١) والثالث : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : عرضت عليّ أمّتي ، وأعلمت من يؤمن بي ومن يكفر ، فبلغ ذلك المنافقين فاستهزءوا وقالوا : فنحن معه ولا يعرفنا ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول السّدّيّ.
____________________________________
(٢٤١) لم أره مسندا. وذكره الواحدي في «أسبابه» ٢٧١ عن السدي بدون إسناد فهو لا شيء. وأخرج الطبري ٨٢٧٣ نحوه عن السدي.
__________________
(١) في «اللسان» التالد : المال القديم الأصلي الذي ولد عندك. وهو نقيض الطارف والطريف : ما استحدثت من المال واستطرفته.
(٢) ذكره الواحدي في «أسبابه» ٢٧٢ عن الكلبي بدون سند ، والكلبي متهم وانظر الحديث الآتي.