قوله تعالى : (ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ) قال الزجّاج : هو مصدر مؤكّد لما قبله ، لأنّ معنى (وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ) : لأثيبنّهم.
(لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (١٩٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٩٧))
قوله تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) اختلفوا فيمن نزلت على قولين : أحدهما : أنها نزلت في اليهود ، ثمّ في ذلك قولان : أحدهما : أنّ اليهود كانوا يضربون في الأرض. فيصيبون الأموال ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس.
(٢٥٣) والثاني : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، أراد أن يستسلف من بعضهم شعيرا ، فأبى إلّا على رهن ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «لو أعطاني لأوفيته ، إنّي لأمين في السماء أمين في الأرض» فنزلت ، ذكره أبو سليمان الدّمشقيّ.
والقول الثاني : أنها نزلت في مشركي العرب كانوا في رخاء ، فقال بعض المؤمنين : قد أهلكنا الجهد ، وأعداء الله فيما ترون ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول مقاتل. قال قتادة : والخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والمراد غيره. وقال غيره : إنما خاطبه تأديبا وتحذيرا ، وإن كان لا يغترّ.
وفي معنى «تقلّبهم» ثلاثة أقوال : أحدها : تصرّفهم في التّجارات ، قاله ابن عباس ، والفرّاء ، وابن قتيبة ، والزجّاج. والثاني : تقلّب ليلهم ونهارهم ، وما يجري عليهم من النّعم ، قاله عكرمة ومقاتل.
والثالث : تقلّبهم غير مأخوذين بذنوبهم ، ذكره بعض المفسّرين. قال الزجاج : ذلك الكسب والرّبح متاع قليل ، وقال ابن عباس : منفعة يسيرة في الدنيا. والمهاد : الفراش.
(لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (١٩٨))
قوله تعالى : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) قرأ أبو جعفر : «لكنّ» بالتشديد هاهنا ، وفي «الزّمر» قال مقاتل : وحّدوا. قال ابن عباس : «النّزل» الثّواب. قال ابن فارس : النّزل : ما يهيّأ للنّزيل ، والنّزيل : الضّيف.
(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩٩))
قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ) اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال :
____________________________________
(٢٥٣) لم أقف عليه هكذا ، والذي ورد في ذلك أن الآية التي نزلت هي قوله تعالى : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ ....) ـ طه : ١٣١ ـ أخرجه الواحدي ٦١٥ والطبري ٢٢٤٥٥ من حديث أبي رافع ، وفيه موسى بن عبيدة الربذي ضعيف ، وكرره الطبري ٢٤٤٥٦ من طريق حسين بن داود عن أبي رافع وحسين واه والمتن منكر ، لأن سورة طه مكية ، وخبر رهن الدرع متأخر جدا كما قال القرطبي ، وسيأتي.
وانظر «تفسير القرطبي» ٤٣٣٢ بتخريجنا.