وفيما أمروا بالمرابطة عليه قولان : أحدهما : الجهاد للأعداء ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة في آخرين. قال ابن قتيبة : وأصل المرابطة والرّباط : أن يربط هؤلاء خيولهم ، وهؤلاء خيولهم في الثّغر ، كلّ يعدّ لصاحبه. والثاني : أنه الصّلاة ، أمروا بالمرابطة عليها ، قاله أبو سلمة بن عبد الرحمن. وقد ذكرنا في (البقرة) معنى «لعلّ» ، ومعنى «الفلاح» (١).
__________________
(١) قال القرطبي رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ٣١٣ : قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا) الآية ختم تعالى السورة بما تضمنته هذه الآية من الوصاة التي جمعت الظهور في الدنيا على الأعداء والفوز بنعيم الآخرة ، فحضّ على الصبر على الطاعات وعن الشهوات ، والصبر الحبس. وأمر بالمصابرة ، فقيل : معناه مصابرة الأعداء ، وقيل : على الصلوات الخمس وقيل : إدامة مخالفة النفس عن الشهوات فهي تدعو وهو ينزع.
والأول قول الجمهور. ولذلك اختلفوا في معنى قوله (ورابطوا) فقال جمهور الأمة : رابطوا أعداءكم بالخيل أي ارتبطوها كما يرتبطها أعداؤكم ومنه قوله تعالى (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) وفي الموطأ عن مالك بن زيد بن أسلم قال : كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم ، فكتب إليه عمر : أما بعد ، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزّل شدة يجعل الله له بعدها فرجا ، وإنه لن يغلب عسر يسرين وإن الله تعالى يقول في كتابه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : هذه الآية في انتظار الصلاة بعد الصلاة ولم يكن في زمان رسول الله صلىاللهعليهوسلم غزو يرابط فيه ، واحتج بقوله عليهالسلام : ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط ثلاثا. قال ابن عطية : والقول الصحيح هو أن الرباط الملازمة في سبيل الله أصلها من ربط الخيل ، ثم كل ملازم لثغر من ثغور الإسلام مرابطا ، فارسا كان أو راجلا.
قلت : إن الخليل بن أحمد أحد أئمة اللغة وثقاتها قد قال : الرباط ملازمة الثغور ، ومواظبة الصلاة أيضا.
والمرابطة عند العرب : العقد على الشيء حتى لا ينحل ، فيعود إلى ما كان صبر عنه ، فيحبس القلب على النية الحسنة والجسم على فعل الطاعة. والمرابط في سبيل الله عند الفقهاء هو الذي يشخص إلى ثغر من الثغور ليرابط فيه مدة ما. وقال ابن خويز منداد : للرباط حالتان : حالة يكون الثغر مأمونا منيعا يجوز سكناه بالأهل والولد. وإن كان غير مأمون جاز أن يرابط فيه بنفسه إذا كان من أهل القتال ، ولا ينقل إليه الأهل والولد لئلا يظهر العدو فيسبي ويسترق.