قال ابن عباس ومجاهد. وفي رواية عن مجاهد : أنه صوت ملك يسبّح. وقال عكرمة : هو ملك يسوق السحاب كما يسوق الحادي الإبل.
والثاني : أنه ريح تختنق بين السماء والأرض. وقد روي عن أبي الجلد أنه قال : الرعد : الريح.
واسم أبي الجلد : جيلان بن أبي فروة البصريّ ، وقد روى عنه قتادة.
والثالث : أنه اصطكاك أجرام السحاب (١) ، حكاه شيخنا علي بن عبيد الله.
وفي البرق ثلاثة أقوال (٢) :
(١٨) أحدها : أنه مخاريق يسوق بها الملك السحاب ، روي هذا المعنى مرفوعا إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وهو قول عليّ بن أبي طالب. وفي رواية عن عليّ قال : هو ضربه بمخراق من حديد. وعن ابن عباس : أنه ضربه بسوط من نور. قال ابن الأنباريّ : المخاريق : ثياب تلفّ ، ويضرب بها بعض الصبيان بعضا ، فشبّه السّوط الذي يضرب به السحاب بذلك المخراق. قال عمرو بن كلثوم :
كأن سيوفنا فينا وفيهم |
|
مخاريق بأيدي لاعبينا |
وقال مجاهد : البرق : مصع ملك ، والمصع : الضّرب والتّحريك. والثاني : أن البرق : الماء ، قاله أبو الجلد. وحكى ابن فارس أن البرق : تلألؤ الماء. والثالث : أنه نار تنقدح من اصطكاك أجرام السحاب لسيرة ، وضرب بعضه لبعض ، حكاه شيخنا.
والصواعق : جمع صاعقة ، وهي صوت شديد من صوت الرعد يقع معه قطعة من نار تحرق ما تصيبه. وروي عن شهر بن حوشب : أن الملك الذي يسوق السحاب ، إذا اشتدّ غضبه ، طار من فيه النار ، فهي الصواعق. وقال غيره : هي نار تنقدح من اصطكاك أجرام السحاب. قال ابن قتيبة : وإنما سمّيت صاعقة ، لأنها إذا أصابت قتلت ، يقال : صعقتهم ، أي : قتلتهم.
قوله تعالى : (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ). فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه لا يفوته أحد منهم ، فهو جامعهم يوم القيامة. ومثله قوله تعالى : (أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) (٣) ، قاله مجاهد. والثاني : أن الإحاطة : الإهلاك ، مثل قوله تعالى : (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) (٤). والثالث : أنه لا يخفى عليه ما يفعلون.
____________________________________
(١٨) لم أره مرفوعا ، وإنما ورد عن علي موقوفا ، أخرجه الطبري ٤٣٩ وأبو الشيخ ٧٧١ وإسناده ضعيف لجهالة ربيعة بن أبيض ، وكرره الطبري ٤٤١ وفيه من لم يسم ، وكرره أبو الشيخ ٧٧٢ من وجه آخر ، وفيه بشير بن أبي ميمونة وهو مجهول أيضا.
الخلاصة : المرفوع لم أجده بهذا اللفظ ، وإنما الوارد في ذلك ما تقدم من حديث ابن عباس ، وأما الموقوف على علي ، فقد ورد بأسانيد واهية ، وهو غريب جدا ، والصواب أن البرق ، هو الضياء كما تقدم.
__________________
(١) يمكن الجمع بين الخبر المرفوع مع ضعفه والآثار ، وهذا القول ، بأن يكون الملك الموكل بالرعد اسمه الرعد ، ويكون الصوت الذي ينتج عن اصطكاك الأجرام هو الرعد كما هو معروف لدى الناس. والقول الثاني ليس بشيء.
(٢) أعدل الأقوال هو الأخير ، لكن لا يتعين كونه نارا ، وإنما هو ضياء ونور ولمعان ينتج عقب اصطكاك الأجرام.
(٣) الطلاق : ١٢.
(٤) الكهف : ٤٢.