(يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠))
قوله تعالى : (يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ) ، يكاد بمعنى : يقارب ، وهي كلمة إذا أثبتت انتفى الفعل ، وإذا نفيت ثبت الفعل. وسئل بعض المتأخرين فقيل له :
أنحويّ هذا العصر ما هي كلمة |
|
جرت بلساني جرهم وثمود |
إذا نفيت والله يشهد أثبتت |
|
وإن أثبتت قامت مقام جحود |
ويشهد للإثبات عند النفي قوله تعالى : (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) (١) ، وقوله : (إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) (٢) ، ومثله : (وَلا يَكادُ يُبِينُ) (٣) ، ويشهد للنفي عند الإثبات قوله تعالى : (يَكادُ الْبَرْقُ) و (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ) (٤) و (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) (٥). وقال ابن قتيبة : كاد : بمعنى همّ ولم يفعل. وقد جاءت بمعنى فعل. قال ذو الرّمّة :
ولو أنّ لقمان الحكيم تعرّضت |
|
لعينيه ميّ سافرا كاد يبرق |
أي : لو تعرّضت له لبرق ، أي : دهش وتحيّر. قلت : وقد قال ذو الرّمّة في المنفيّة ما يدل على أنها تستعمل على خلاف الأصل ، وهو قوله :
إذا غيّر النّأي المحبّين لم يكد |
|
رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح (٦) |
أراد : لم يبرح.
قوله تعالى : (يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ). قرأ الجمهور «يخطف» بفتح الياء وسكون الخاء وفتح الطاء ، وقرأ أبان بن تغلب ، وأبان بن يزيد كلاهما عن عاصم ، بفتح الياء وسكون الخاء وكسر الطاء مخففا. ورواه الجعفيّ عن أبي بكر عن عاصم ، بفتح الياء وكسر الخاء وتشديد الطاء ، وهي قراءة الحسن كذلك ، إلّا أنه كسر الياء. وعنه : فتح الياء والخاء مع كسر الطاء المشدّدة.
ومعنى «يخطف» : يستلب ، وأصل الاختطاف : الاستلاب ، ويقال لما يخرج به الدّلو : خطّاف ، لأنه يختطف ما علق به. قال النّابغة :
خطاطيف حجن في حبال متينة |
|
تمدّ بها أيد إليك نوازع |
والحجن : المتعقّفة ، وجمل خيطف : سريع المرّ ، وتلك السرعة الخطفى.
قوله تعالى : (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ). قال الزّجّاج : يقال : ضاء الشيء يضوء ، وأضاء يضيء ، وهذه اللغة الثانية هي المختارة.
فصل : واختلف العلماء ما الذي يشبه الرعد مما يتعلق بأحوال المنافقين على ثلاثة أقوال : أحدها : أنه التخويف الذي في القرآن ، قاله ابن عبّاس. والثاني : أنه ما يخافون أن يصيبهم من المصائب
__________________
(١) النساء : ٧٨.
(٢) النور : ٤٠.
(٣) الزخرف : ٥٢.
(٤) النور : ٤٣.
(٥) النور : ٣٥.
(٦) النأي : البعد والمفارقة. والرسيس : الشيء الثابت وابتداء الحب.