ألم تر أنّ الله أعطاك سورة |
|
ترى كلّ ملك دونها يتذبذب |
والسّورة في هذا البيت : سورة المجد ، وهي مستعارة من سورة البناء. وقال ابن الأنباريّ : قال أبو عبيدة : إنما سمّيت السورة سورة لأنه يرتفع فيها من منزلة إلى منزلة ، مثل سورة البناء. معنى : أعطاك سورة ، أي : منزلة شرف ارتفعت إليها عن منازل الملوك. قال ابن القاسم : ويجوز أن تكون سمّيت سورة لشرفها ، تقول العرب : له سورة في المجد ، أي : شرف وارتفاع ، أو لأنها قطعة من القرآن من قولك : أسأرت سؤرا ، أي : أبقيت بقية. وفي هاء «مثله» قولان : أحدهما : أنها تعود على القرآن المنزّل (١) ، قاله قتادة والفرّاء ومقاتل. والثاني : أنها تعود على النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فيكون التقدير : فأتوا بسورة من مثل هذا العبد الأمّي ، ذكره أبو عبيدة والزّجّاج وابن القاسم. فعلى هذا القول : تكون «من» لابتداء الغاية ، وعلى الأول : تكون زائدة.
قوله تعالى : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ). فيه قولان : أحدهما : أن معناه : استعينوا من المعونة ، قاله السّدّيّ والفرّاء. والثاني : استغيثوا ، من الاستغاثة ، وأنشدوا :
فلمّا التقت فرساننا ورجالهم |
|
دعوا يال كعب واعتزينا لعامر (٢) |
وهذا قول ابن قتيبة. وفي «شهدائهم» ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم آلهتهم ، قاله ابن عباس والسّدّيّ ومقاتل والفرّاء. قال ابن قتيبة : وسموا شهداء ، لأنهم يشهدونهم ويحضرونهم. وقال غيره : لأنهم عبدوهم ليشهدوا لهم عند الله. والثاني : أنهم أعوانهم ، روي عن ابن عباس أيضا. والثالث : أن معناه :
فأتوا بناس يشهدون أن ما تأتون به مثل القرآن ، روي عن مجاهد.
قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي في قولكم : إن القرآن ليس من عند الله ، قاله ابن عباس.
(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤))
قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) في هذه الآية مضمر مقدّر ، يقتضي الكلام تقديمه ، وهو أنه لما تحدّاهم بما في الآية الماضية من التّحدّي ، فسكتوا عن الإجابة ؛ قال : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) ، وفي قوله تعالى : (وَلَنْ تَفْعَلُوا) أعظم دلالة على صحة نبوّة نبيّنا ، لأنه أخبر أنهم لا يفعلون ، ولم يفعلوا. والوقود : بفتح الواو : الحطب ، وبضمها : التّوقّد ، كالوضوء بالفتح : الماء ، وبالضم : المصدر ، وهو اسم حركات المتوضّئ. وقرأ الحسن وقتادة : وقودها ، بضم الواو ، والاختيار الفتح. والناس أوقدوا فيها بطريق العذاب. والحجارة ، لبيان قوّتها وشدّتها ، إذ هي محرقة للحجارة. وفي هذه الحجارة
__________________
(١) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ١ / ٥٩ / ٦٠ : فأتوا بسورة من مثله يعني من مثل القرآن قاله مجاهد وقتادة واختاره ابن جرير الطبري والزمخشري والرازي ونقله عن عمر وابن مسعود وابن عباس والحسن البصري وأكثر المحققين ورجح ذلك بوجوه أحسنها أنه تحداهم كلهم متفرقين ومجتمعين سواء في ذلك أميهم وكتابيهم وذلك أكمل في التحدي وأشمل من أن يتحدى آحادهم الأميين ممن لا يكتب ولا يعاني شيئا من العلوم وبدليل قوله تعالى : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) وقوله (لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) وقال بعضهم من مثل محمد صلىاللهعليهوسلم يعني من رجل أمي مثله والصحيح الأول.
ـ وقال القرطبي رحمهالله ١ / ٢٧٥ : والضمير في «مثله» عائد على القرآن عند الجمهور.
(٢) البيت للرّاعي النميري. واعتزى : انتسب ، صدقا كان أو كذبا ، وانتمى إليهم مثله.