قولان : أحدهما : أنها أصنامهم التي عبدوها ، قاله الرّبيع بن أنس. والثاني : أنها حجارة الكبريت ، وهي أشدّ الأشياء حرّا ، إذا أحميت يعذّبون بها.
ومعنى (أُعِدَّتْ) : هيئت. وإنما خوّفهم بالنار إذا لم يأتوا بمثل القرآن ، لأنهم إذا كذّبوه ، وعجزوا عن الإتيان بمثله ؛ ثبتت عليهم الحجّة ، وصار الخلاف عنادا ، وجزاء المعاندين النار.
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥))
قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا). البشارة : أول خبر يرد على الإنسان ، وسمّي بشارة ، لأنه يؤثر في بشرته ، فإن كان خيرا ، أثر المسرّة والانبساط ، وإن شرا ، أثر الانجماع والغمّ ، والأغلب في عرف الاستعمال أن تكون البشارة بالخير ، وقد تستعمل في الشر ، ومنه قوله تعالى : (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١٣٨) (١).
قوله تعالى : (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ). يشمل كل عمل صالح ، وقد روي عن عثمان بن عفّان أنّه قال : أخلصوا الأعمال. وعن عليّ عليهالسلام أنه قال : أقاموا الصلوات المفروضات.
فأما الجنّات ، فجمع جنّة. وسميت الجنة جنة ، لاستتار أرضها بأشجارها ، وسمّي الجنّ جنّا ، لاستتارهم ، والجنين من ذلك ، والدّرع جنّة ، وجنّ الليل : إذا ستر ، وذكر عن المفضّل أن الجنّة : كل بستان فيه نخل. وقال الزّجّاج : كل نبت كثف وكثر وستر بعضه بعضا ، فهو جنة.
قوله تعالى : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) ، أي : من تحت شجرها لا من تحت أرضها.
قوله تعالى : (هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) ، فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أن معناه : هذا الذي طعمنا من قبل ، فرزق الغداة كرزق العشيّ ، روي عن ابن عباس والضّحّاك ومقاتل. والثاني : هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا ، قاله مجاهد وابن زيد. والثالث : أن ثمر الجنّة إذا جني خلفه مثله ، فإذا رأوا ما خلف الجنى ، اشتبه عليهم ، فقالوا : (هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) ، قاله يحيى بن أبي كثير وأبو عبيدة. قوله تعالى : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً). فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه متشابه في المنظر واللّون ، مختلف في الطّعم ، قاله ابن عباس ومجاهد وأبو العالية والضّحّاك والسّدّيّ ومقاتل. والثاني : أنه متشابه في جودته ، لا رديء فيه ، قاله الحسن وابن جريج. والثالث : أنه يشبه ثمار الدنيا في الخلقة والاسم ، غير أنه أحسن في المنظر والطّعم ، قاله قتادة وابن زيد.
فإن قال قائل : ما وجه الامتنان بمتشابهه ، وكلّما تنوّعت المطاعم واختلفت ألوانها كان أحسن؟! فالجواب : أنا إن قلنا : إنه متشابه المنظر مختلف الطعم ، كان أغرب عند الخلق وأحسن ، فإنك لو رأيت تفاحة فيها طعم سائر الفاكهة ، كان نهاية في العجب. وإن قلنا : إنه متشابه في الجودة ؛ جاز اختلافه في
__________________
(١) النساء : ١٣٨.