يستحيى منه يترك. وحكى ابن جرير الطّبريّ عن بعض اللغويين أن معنى لا يستحيى : لا يخشى. ومثله : (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) (١) ، أي : تستحيي منه. فالاستحياء والخشية ينوب كل واحد منهما عن الآخر. وقرأ مجاهد وابن محيصن : لا يستحي بياء واحدة ، وهي لغة.
وقوله تعالى : (أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً). قال ابن عباس : أن يذكر شبها ، واعلم أن فائدة المثل أن يبيّن للمضروب له الأمر الذي ضرب لأجله ، فينجلي غامضه. قوله تعالى : (ما بَعُوضَةً). «ما» زائدة ، وهذا اختيار أبي عبيدة والزّجّاج والبصريين. وأنشدوا للنّابغة :
قالت : ألا ليتما هذا الحمام لنا |
|
[إلى حمامتنا أو نصفه فقد] (٢) |
وذكر أبو جعفر الطّبريّ أن المعنى : ما بين بعوضة إلى ما فوقها ، ثم حذف ذكر «بين» و «إلى» إذ كان في نصب البعوضة ، ودخول الفاء في «ما» الثانية ؛ دلالة عليهما ، كما قالت العرب : مطرنا ما زبالة فالثّعلبيّة ، وله عشرون ما ناقة فجملا ، وهي أحسن الناس ما قرنا فقدما [يعنون : ما بين قرنها إلى قدمها]. وقال غيره : نصب البعوضة على البدل من المثل. وروى الأصمعيّ عن نافع : «بعوضة» بالرفع ، على إضمار هو ، والبعوضة : صغيرة البقّ.
وفي قوله تعالى : (فَما فَوْقَها) ، فيه قولان : أحدهما : أن معناه فما فوقها في الكبر ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، وابن جريج ، والفرّاء. والثاني : فما فوقها في الصّغر ، فيكون معناه : فما دونها ، قاله أبو عبيدة. قال ابن قتيبة : وقد يكون الفوق بمعنى : دون ، وهو من الأضداد ، ومثله : الجون ؛ يقال للأسود والأبيض. والصّريم : الصبح والليل. والسّدفة : الظلمة والضوء. والجلل : الصغير والكبير. والنّاهل : العطشان والرّيان. والماثل : القائم واللاطئ بالأرض. والصّارخ : المغيث والمستغيث. والهاجد : المصلّي بالليل والنائم. والرّهوة : الارتفاع والانحدار. والتّلعة : ما ارتفع من الأرض وما انهبط من الأرض. والظّنّ : يقين وشكّ. والأقراء : الحيض والأطهار. والمفرع في الجبل : المصعد ، وهو المنحدر. والوراء : يكون خلفا وقدّاما. وأسررت الشيء : أخفيته وأعلنته. وأخفيت الشيء : أظهرته وكتمته. ورتوت الشيء : شددته ، وأرخيته. وشعبت الشيء : جمعته وفرّقته. وبعت الشيء بمعنى : بعته واشتريته. وشريت الشيء : اشتريته وبعثته. والحيّ خلوف : غيّب ، ومتخلّفون.
واختلفوا في قوله : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) ، هل هو من تمام قول الذين قالوا : (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) ، أو هو مبتدأ من كلام الله عزوجل؟ على قولين : أحدهما : أنه تمام الكلام الذي قبله ، قاله الفرّاء ، وابن قتيبة. قال الفرّاء : كأنهم قالوا : ما ذا أراد الله بمثل لا يعرفه كل أحد ، يضلّ به هذا ، ويهدي به هذا؟! ثم استؤنف الكلام والخبر عن الله. فقال الله : (وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ). والثاني : أنه مبتدأ من قول الله تعالى ، قاله السّدّيّ ومقاتل.
____________________________________
أحدكم يديه فليقل : يا حي لا إله إلّا أنت يا أرحم الراحمين ، ثلاث مرات ، ثم إذا ردّ يديه فليفرغ ذلك الخير إلى وجهه». وإسناده ضعيف ، سكت عليه الحافظ في «تخريج الكشاف» (١ / ١١٣). وقال الهيثمي في المجمع (١٠ / ١٦٩ ح ١٧٣٤٠) : فيه الجارود بن يزيد ، وهو متروك اه.
__________________
(١) الأحزاب : ٣٧.
(٢) زيادة عن ديوان النابغة.