أنهم الذين كانوا مع إبليس حين أهبط إلى الأرض ، ذكره أبو صالح عن ابن عباس. ونقل أنه كان في الأرض خلق قبل آدم ، فأفسدوا ، فبعث الله إبليس في جماعة من الملائكة فأهلكوهم.
واختلفوا ما المقصود في إخبار الله عزوجل الملائكة بخلق آدم على ستة أقوال : أحدها : أن الله تعالى علم في نفس إبليس كبرا ، فأحبّ أن يطلع الملائكة عليه ، وأن يظهر ما سبق عليه في علمه ، رواه الضّحّاك عن ابن عباس ، والسّدّيّ عن أشياخه. والثاني : أنه أراد أن يبلو طاعة الملائكة ، قاله الحسن.
والثالث : أنه لما خلق النار خافت الملائكة ، فقالوا : ربنا لمن خلقت هذه؟ قال : لمن عصاني ، فخافوا وجود المعصية منهم ، وهم لا يعلمون بوجود خلق سواهم ، فقال لهم : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) ، قاله ابن زيد. والرابع : أنه أراد إظهار عجزهم عن الإحاطة بعلمه. فأخبرهم حتى قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها)؟ فأجابهم : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ). والخامس : أنه أراد تعظيم آدم بذكره بالخلافة قبل وجوده ، ليكونوا معظّمين له إذ أوجده. والسادس : أنه أراد إعلامهم بأنه خلقه ليسكنه الأرض ، وإن كان ابتداء خلقه في السماء.
والخليفة : هو القائم مقام غيره ، يقال : هذا خلف فلان وخليفته. قال ابن الأنباريّ : والأصل في الخليفة خليف ، بغير هاء ، فدخلت الهاء للمبالغة بهذا الوصف ، كما قالوا : علّامة ونسّابة. وفي معنى خلافة آدم قولان : أحدهما : أنه خليفة عن الله تعالى في إقامة شرعه ، ودلائل توحيده ، والحكم في خلقه ، وهذا قول ابن مسعود ومجاهد (١). والثاني : أنه خلف من سلف في الأرض قبله ، وهذا قول ابن عباس والحسن.
قوله تعالى : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها). فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أن ظاهر الألف للاستفهام ، دخل على معنى العلم ليقع به تحقيق ، ومعناها الإيجاب ، تقديره : ستجعل فيها من يفسد فيها ، قاله أبو عبيدة. قال جرير :
ألستم خير من ركب المطايا |
|
وأندى العالمين بطون راح |
معناه : أنتم خير من ركب المطايا. والثاني : أنهم قالوه لاستعلام وجه الحكمة ، لا على وجه الاعتراض ، ذكره الزّجّاج. والثالث : أنهم سألوا عن حال أنفسهم ، فتقديره : أتجعل فيها من يفسد فيها ونحن نسبّح بحمدك ، أم لا؟
وهل علمت الملائكة أنهم يفسدون بتوقيف من الله تعالى ، أم قاسوا على حال من قبلهم؟ فيه قولان : أحدهما : أنه بتوقيف من الله تعالى ، قاله ابن مسعود وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة ، وابن زيد وابن قتيبة ، وروى السّدّيّ عن أشياخه : أنهم قالوا : ربّنا وما يكون ذلك الخليفة؟ قال : يكون له ذريّة يفسدون في الأرض ويتحاسدون ، ويقتل بعضهم بعضا ، فقالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها). والثاني : أنهم قاسوه على أحوال من سلف قبل آدم ، روي نحو هذا عن ابن عباس وأبي العالية ومقاتل. قوله تعالى : (وَيَسْفِكُ الدِّماءَ). قرأ الجمهور بكسر الفاء ، وضمّها طلحة بن مصرف وإبراهيم بن أبي عبلة ، وهما لغتان ، وروي عن طلحة وابن مقسم «ويسفّك» : بضم الياء وفتح السين وتشديد الفاء مع
__________________
(١) ذكر الإمام القرطبي في «تفسيره» ١ / ٣٠٥ بحثا نفيسا في الإمامة الكبرى وهي الخلافة ، فانظره فإنه هام.