لا يعرفونك ، فائتنا بمن يشهد لك أنّ الله بعثك ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول ابن السّائب.
قال الزجّاج : الشّاهد : المبيّن لما يشهد به ، فالله عزوجل بيّن ذلك ، ويعلم مع إبانته أنه حقّ. وفي معنى (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) ثلاثة أقوال : أحدها : أنزله وفيه علمه ، قاله الزجّاج. والثاني : أنزله من علمه ، ذكره أبو سليمان الدّمشقيّ. والثالث : أنزله إليك بعلم منه أنك خيرته من خلقه ، قاله ابن جرير. قوله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ) ، فيه قولان : أحدهما : يشهدون أنّ الله أنزله. والثاني : يشهدون بصدقك. قوله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) قال الزجّاج : «الباء» دخلت مؤكّدة. والمعنى : اكتفوا بالله في شهادته.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) قال مقاتل وغيره : هم اليهود كفروا بمحمّد ، وصدّوا الناس عن الإسلام. قال أبو سليمان : وكان صدّهم عن الإسلام قولهم للمشركين ولأتباعهم : ما نجد صفة محمّد في كتابنا.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (١٦٩))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا) قال مقاتل وغيره : هم اليهود أيضا كفروا بمحمّد والقرآن. وفي الظّلم المذكور هاهنا قولان : أحدهما : أنه الشّرك ، قاله مقاتل. والثاني : أنه جحدهم صفة محمّد النبيّ صلىاللهعليهوسلم في كتابهم. قوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) يريد من مات منهم على الكفر. وقال أبو سليمان : لم يكن الله ليستر عليهم قبيح فعالهم ، بل يفضحهم في الدنيا ، ويعاقبهم بالقتل والجلاء والسّبي ، وفي الآخرة بالنار (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً) ينجون فيه. وقال مقاتل : طريقا إلى الهدى (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) يعني كان عذابهم على الله هيّنا.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) الكلام عامّ ، وروي عن ابن عباس أنه قال : أراد المشركين. (قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِ) أي : بالهدى ، والصّدق. قوله تعالى : (فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ) قال الزجّاج عن الخليل وجميع البصريين : إنّه منصوب بالحمل على معناه ، لأنّك إذا قلت : انته خيرا لك ، وأنت تدفعه عن أمر فتدخله في غيره ، كان المعنى : انته وأت خيرا لك ، وادخل في ما هو خير لك. وأنشد الخليل وسيبويه قول عمر بن أبي ربيعة :
فواعديه سرحتي مالك |
|
أو الرّبا بينهما أسهلا (١) |
__________________
(١) في «اللسان» : السّرح : شجر كبار عظام طوال ، لا يرعى وإنما يستظل فيه وهو كل شجر لا شوك فيه.
وقال أبو حنيفة : السرحة : دوحة محلال واسعة يحل تحتها الناس في الصيف ويبتنون تحتها البيوت.