وقال قوم : في الآية تقديم وتأخير ، ومعناها : إذا قمتم إلى الصّلاة من النّوم أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النّساء ، فاغسلوا وجوهكم (١).
قوله تعالى : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) «إلى» حرف موضوع للغاية ، وقد تدخل الغاية فيها تارة ، وقد لا تدخل ، فلما كان الحديث يقينا ، لم يرتفع إلا بيقين مثله ، وهو غسل المرفقين. فأما الرأس فنقل عن أحمد وجوب مسح جميعه (٢) ، وهو قول مالك ، وروي عنه : يجب مسح أكثره ، وروي عن أبي حنيفة روايتان : إحداهما : أنه يتقدّر بربع الرأس. والثانية : بمقدار ثلاث أصابع.
قوله تعالى : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، وأبو بكر عن عاصم : بكسر اللام عطفا على مسح الرّأس ، وقرأ نافع ، وابن عامر ، والكسائيّ ، وحفص عن عاصم ، ويعقوب : بفتح اللام عطفا على الغسل ، فيكون من المقدّم والمؤخّر. قال الزجّاج : الرّجل من أصل الفخذ إلى القدم ، فلما حدّ الكعبين ، علم أن الغسل ينتهي إليهما ، ويدلّ على وجوب الغسل التّحديد بالكعبين ، كما جاء في تحديد اليد «إلى المرافق» ولم يجيء في شيء من المسح تحديد. ويجوز أن يراد الغسل على قراءة الخفض ، لأن التّحديد بالكعبين يدلّ على الغسل ، فينسق بالغسل على المسح. قال الشاعر :
__________________
(١) قال الإمام ابن العربي في «أحكام القرآن» ٢ / ٤٨ : قال زيد بن أسلم : معناه (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) من النوم ، وبين هذا أن النوم حدث ، وبه قال جملة الأمة.
وقال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ١ / ٢٣٥ ـ ٢٣٧ ما ملخصه. فصل : والنوم ينقسم إلى ثلاثة أقسام : نوم المضطجع ، فينقض الوضوء يسيره وكثيره في قول كل من يقول بنقضه بالنوم. الثاني : نوم القاعد ، إن كان كثيرا نقض ، رواية واحدة ، وإن كان يسيرا لم ينقض ، وهذا قول حماد والحكم ومالك والثوري وأصحاب الرأي ، وقال الشافعي : لا ينقض وإن كثر ، إذا كان القاعد متمكنا مفضيا بمحل الحدث إلى الأرض. الثالث : نوم القائم والراكع والساجد ، فروي عن أحمد في جميع ذلك روايتان : إحداهما : ينقض ، وهو قول الشافعي ، والثانية : لا ينقض إلا إذا كثر. وذهب أبو حنيفة إلى أن النوم في حال من أحوال الصلاة لا ينقض وإن كثر.
لأنه حال من أحوال الصلاة ، فأشبهت حال الجلوس. والظاهر عن أحمد التسوية بين القيام والجلوس.
واختلفت الرواية عن أحمد في القاعد المستند والمحتبي. فعنه : لا ينقض يسيره. قال أبو داود : سمعت أحمد قيل له : الوضوء من النوم؟ قال : إذا طال. قيل : فالمحتبي؟ قال : يتوضأ. قيل : فالمتكئ؟ قال : الاتكاء شديد ، والمتساند كأنه أشد من الاحتباء ، ورأى منها كلها الوضوء ، إلا أن يغفو قليلا ، وعنه : ينقض بكل حال لأنه معتمد على شيء ، فهو كالمضطجع ، والأولى أنه متى كان معتمدا بمحل الحدث على الأرض أن لا ينقض منه إلا الكثير اه باختصار. وانظر «المدونة» ١ / ٩ ـ ١٠ و «تفسير القرطبي» ٥ / ٢٢٢.
(٢) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ١ / ١٧٥ ـ ١٧٦ : لا خلاف في وجوب مسح الرأس. واختلف في قدر الواجب ، فروي عن أحمد وجوب مسح جميعه في حق كل أحد ، وهو مذهب مالك. وعن أحمد : يجزئ مسح بعضه ، وبه قال الحسن والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي ، إلا أن الظاهر عن أحمد في حق الرجل وجوب الاستيعاب ، وأن المرأة يجزئها مسح مقدم رأسها اه ملخصا.
وقال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ١ / ١٨٣ ـ ١٨٤ ما ملخصه : فصل : والأذنان من الرأس ، فقياس المذهب وجوب مسحهما مع مسحه. وقال الخلال : كلهم حكوا عن أبي عبد الله فيمن ترك مسحهما عامدا أو ناسيا أنه يجزئه ، وذلك لأنهما تبع للرأس ، والأولى مسحهما معه ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم مسحهما مع رأسه.
ـ وقال الإمام المرغيناني الحنفي في «الهداية» : ومسح الأذنين ، وهو سنة بماء الرأس عندنا خلافا للشافعي لقوله عليه الصلاة والسلام «الأذنان من الرأس» والمراد بيان الحكم دون الخلقة.