يا ليت بعلك قد غدا |
|
متقلّدا سيفا ورمحا (١) |
والمعنى : وحاملا رمحا. وقال الآخر.
علفتها تبنا وماء باردا (٢)
والمعنى : وسقيتها ماء باردا. وقال أبو الحسن الأخفش : يجوز الجرّ على الإتباع ، والمعنى : الغسل ، نحو قولهم : جحر ضبّ خرب. وقال ابن الأنباريّ : لما تأخّرت الأرجل بعد الرّؤوس ، نسقت عليها للقرب والجوار ، وهي في المعنى نسق على الوجوه كقولهم : جحر ضبّ خرب ، ويجوز أن تكون منسوقة عليها ، لأنّ العرب تسمّي الغسل مسحا ، لأن الغسل لا يكون إلا بمسح. وقال أبو عليّ : من جرّ فحجّته أنه وجد في الكلام عاملين : أحدهما : الغسل ، والآخر : الباء الجارّة ، ووجه العاملين إذا اجتمعا : أن يحمل الكلام على الأقرب منهما دون الأبعد ، وهو «الباء» هاهنا ، وقد قامت الدّلالة على أنّ المراد بالمسح : الغسل من وجهين (٣) :
__________________
(١) البيت غير منسوب في «مشكل القرآن» : ١٦٥ و «الكامل» ١ / ٢٨٩ و «اللسان» مادة : قلد. ونسبه في حواشي ابن القوطية على «الكامل» ١٨٩ لعبد الله بن الزبعرى. ويروى الشطر الأول منه «ورأيت زوجك في الوغى» وفي «اللسان» : تقلّد الأمر : احتمله.
(٢) هو صدر بيت وعجزه : حتى شتت همّالة عيناها. وهو في «الخزانة» ١ / ٤٩٩ وشرح «شواهد المغني» ٣١٤.
قال العيني : ٤ / ١٨١ أنشده الأصمعي وغيره ، ولم أر أحدا عزاه إلى قائله.
(٣) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٢ / ٣٥ : ومن أحسن ما يستدل به على أن المسح يطلق على الغسل الخفيف ما رواه الحافظ البيهقي ١ / ٧٥ عن النزال بن سبرة يحدث عن علي بن أبي طالب أنه صلى الظهر ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة حتى حضرت صلاة العصر ، ثم أتي بكوز من ماء فأخذ منه حفنة واحدة فمسح بها وجهه ويديه ورأسه ورجليه ، ثم قام فشرب فضلته ، وهو قائم ، ثم قال : إن أناسا يكرهون الشرب قائما ، وإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم صنع كما صنعت ، وقال : «هذا وضوء من لم يحدث». والأحاديث التي جاءت بالغسل كثيرة. ففي البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو قال تخلف عنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سفرة سافرناها ، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة صلاة العصر ، ونحن نتوضأ ، فجعلنا نمسح على أرجلنا ، فنادى بأعلى صوته : «أسبغوا الوضوء ، وبل للأعقاب من النار». وروى مسلم عن عمر بن الخطاب «أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدم ، فأبصره النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «ارجع فأحسن وضوءك» قال ابن كثير : وإسناده جيد قوي صحيح.
وقال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» : وغسل الرجلين واجب في قول أكثر أهل العلم ، وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى : اجتمع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم على غسل القدمين. وروي عن علي أنه مسح على نعليه وقدميه ، وحكي عن ابن عباس أنه قال : ما أجد في كتاب الله إلا غسلتين ومسحتين. وحكي عن الشعبي أنه قال : الوضوء مغسولان وممسوحان ، فالممسوحان يسقطان في التيمم. ولم نعلم من فقهاء المسلمين من يقول بالمسح على الرجلين غير ما ذكرنا إلا ما حكي عن ابن جرير أنه قال : هو مخيّر بين المسح والغسل ، واحتج بظاهر الآية. وما روي عن ابن عباس. ولنا أن عبد الله بن زيد ، وعثمان ، حكيا وضوء رسول الله صلىاللهعليهوسلم قالا : فغسل قدميه. وفي حديث عثمان : ثم غسل كلتا رجليه ثلاثا ، متفق عليهما. وعن علي أنه حكى وضوء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال : ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثلاثا ثلاثا. فإن قيل : فعطفه على الرأس دليل على أنه أراد حقيقة المسح. قلنا : قد افترقا من وجوه : أحدها : أن الممسوح في الرأس شعر يشق غسله ، والرجلين أشبه بالمغسولات. والثاني : أنهما محدودان بحد ينتهي إليه ، فأشبها اليدين. والثالث : أنهما معرضتان للخبث لكونهما يوطأ بهما على الأرض بخلاف الرأس. وأما حديث أوس في أن النبي صلىاللهعليهوسلم : فإنما أراد الغسل الخفيف وكذلك ابن عباس ، ولذلك قال : أخذ ملء كفّه من ماء فرش على قدميه ، والمسح يكون بالبلل لا برش الماء.