أحدهما : أنّ أبا زيد قال : المسح خفيف الغسل ، قالوا : تمسّحت للصّلاة ، وقال أبو عبيدة : (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ) (١) ، أي ضربا ، فكأن المسح في الآية غسل خفيف. فإن قيل : فالمستحبّ التّكرار ثلاثا؟ قيل : إنما جاءت الآية بالمفروض دون المسنون.
والوجه الثاني : أن التّحديد والتّوقيت إنّما جاء في المغسول دون الممسوح ، فلما وقع التّحديد مع المسح ، علم أنه في حكم الغسل لموافقته الغسل في التّحديد ، وحجّة من نصب أنه حمل ذلك على الغسل لاجتماع فقهاء الأمصار على الغسل.
قوله تعالى : (إِلَى الْكَعْبَيْنِ) «إلى» بمعنى «مع» ، والكعبان : العظمان النّاتئان من جانبي القدم.
قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) أي : فتطهّروا ، فأدغمت التاء في الطاء ، لأنهما من مكان واحد ، وقد بيّن الله عزوجل طهارة الجنب في سورة النّساء بقوله تعالى : (حَتَّى تَغْتَسِلُوا) (٢) وقد ذكرنا هناك الكلام في تمام الآية إلى قوله تعالى : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) و «الحرج» : الضّيق ، فجعل الله الدّين واسعا حين رخّص في التّيمّم.
قوله تعالى : (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) أي : يريد أن يطهّركم. قال مقاتل : من الأحداث والجنابة ، وقال غيره : من الذّنوب والخطايا ، لأنّ الوضوء يكفّر الذّنوب.
قوله تعالى : (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) في الذي يتمّ به النّعمة أربعة أقوال :
أحدها : بغفران الذنوب.
(٤٠٤) قال محمّد بن كعب القرظيّ : حدّثني عبد الله بن دارة ، عن حمران قال : مررت على عثمان بفخّارة من ماء ، فدعا بها فتوضّأ ، فأحسن الوضوء ثم قال : لو لم أسمعه من رسول الله صلىاللهعليهوسلم غير مرّة أو مرّتين أو ثلاثا ما حدّثتكم ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «ما توضّأ عبد فأحسن الوضوء ، ثمّ قام إلى الصّلاة ، إلّا غفر له ما بينه وبين الصّلاة الأخرى» قال محمّد بن كعب : وكنت إذا سمعت الحديث التمسته في القرآن. فالتمست هذا فوجدته في قوله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) (٣) فعلمت أنّ الله لم يتمّ النّعمة عليه حتى غفر له ذنوبه ، ثم قرأت الآية التي في المائدة : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) إلى قوله (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) فعلمت أنه لم يتمّ النّعمة عليهم حتى غفر لهم.
____________________________________
(٤٠٤) ضعيف بهذا اللفظ والإسناد. أخرجه البيهقي في «الشعب» ٢٧٢٨ من طريق أبي معشر عن محمد بن كعب به ، وإسناده ضعيف لضعف أبي معشر ، واسمه عيسى بن أبي عيسى.
ـ والذي صح عن عثمان ما أخرجه البخاري ١٥٩ و ١٩٣٤ و ٦٤٣٣ ومسلم ٢٢٦ وغيرهما عن حمران مولى عثمان أن عثمان بن عفان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات ثم أدخل يمينه في الوضوء ، ثم تمضمض واستنشق واستنثر ، ثم غسل وجهه ثلاثا ، ويديه إلى المرفقين ثلاثا ، ثم مسح برأسه ، ثم غسل كل رجل ثلاثا ، ثم قال : رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم يتوضأ نحو وضوئي هذا وقال : «من توضأ نحو وضوئي هذا وصلى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه ، غفر الله له ما تقدم من ذنبه».
__________________
(١) سورة ص : ٣٣.
(٢) سورة النساء : ٤٣.
(٣) سورة الفتح : ١ ـ ٢.