قوله تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) قال ابن عباس : هؤلاء نصارى أهل نجران ، وذلك أنهم اتّخذوه إلها (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي : فمن يقدر أن يدفع من عذابه شيئا (إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) أي : فلو كان إلها كما تزعمون لقدر أن يردّ أمر الله إذا جاءه بإهلاكه أو إهلاك أمّه ، ولما نزل أمر الله بأمّه ، لم يقدر أن يدفع عنها. وفي قوله تعالى : (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) ردّ عليهم حيث قالوا للنبيّ : فهات مثله من غير أب (١). فإن قيل : فلم قال (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) ولم يقل : وما بينهنّ؟ فالجواب أن المعنى : وما بين هذين النّوعين من الأشياء ، قاله ابن جرير.
(وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٨))
قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى) قال مقاتل : هم يهود المدينة ، ونصارى نجران. وقال السّدّيّ : قالوا : إنّ الله تعالى أوحى إلى إسرائيل : إنّ ولدك بكري من الولد. فأدخلهم النّار فيكونون فيها أربعين يوما حتى تطهّرهم ، وتأكل خطاياهم ، ثم ينادي مناد : أخرجوا كلّ مختون من بني إسرائيل. وقيل : إنهم لما قالوا : المسيح ابن الله ، كان معنى قولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ) أي : منّا ابن الله. وفي قوله : (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) إبطال لدعواهم ، لأنّ الأب لا يعذّب ولده ، والحبيب لا يعذّب حبيبه وهم يقولون : إنّ الله يعذبنا أربعين يوما بالنار. وقيل : معنى الكلام : فلم عذّب منكم من مسخه قردة وخنازير؟ وهم أصحاب السّبت والمائدة.
قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) أي : أنتم كسائر بني آدم تجازون بالإحسان والإساءة. قال عطاء : يغفر لمن يشاء ، وهم الموحّدون ، ويعذّب من يشاء ، وهم المشركون.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٩))
قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا).
(٤١٢) سبب نزولها : أن معاذ بن جبل ، وسعد بن عبادة ، وعقبة بن وهب ، قالوا : يا معشر اليهود اتّقوا الله ، والله إنّكم لتعلمون أنه رسول الله ، كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه ، وتصفونه بصفته. فقال وهب بن يهوذا ، ورافع : ما قلنا هذا لكم ، وما أنزل الله بعد موسى من كتاب ، ولا أرسل رسولا بشيرا ولا نذيرا بعده ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس.
فأما «الفترة» فأصلها السّكون ، يقال : فتر الشيء يفتر فتورا : إذا سكنت حدّته ، وانقطع عمّا كان
____________________________________
(٤١٢) ضعيف. أخرجه الطبري ١١٦١٩ من طريق محمد بن إسحاق به. وشيخه محمد بن أبي محمد مجهول كما في التقريب ، وقال الذهبي في «الميزان» لا يعرف.
__________________
(١) تقدم في آل عمران.