له الأرض حتى واراه بعد أن حمله سنين. وقال مجاهد : حمله على عاتقه مائة سنة. وقال عطيّة : حمله حتى أروح (١). وقال مقاتل : حمله ثلاثة أيام.
وفي المراد بسوأة أخيه قولان : أحدهما : عورة أخيه. والثاني : جيفة أخيه.
قوله تعالى : (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) ، فإن قيل : أليس النّدم توبة ، فلم لم يقبل منه؟ فعنه أربعة أجوبة : أحدها : أنه يجوز أن لا يكون النّدم توبة لمن تقدّمنا ، ويكون توبة لهذه الأمّة ، لأنها خصّت بخصائص لم تشارك فيها ، قاله الحسن بن الفضل. والثاني : أنه ندم على حمله لا على قتله. والثالث : أنه ندم إذ لم يواره حين قتله. والرابع : أنه ندم على فوات أخيه ، لا على ركوب الذّنب. وفي هذه القصّة تحذير من الحسد ، لأنه الذي أهلك قابيل.
(مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢))
قوله تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) قال الضّحّاك : من أجل ابن آدم الذي قتل أخاه ظلما ، وقال أبو عبيدة : من جناية ذلك ، ومن جري ذلك. قال الشاعر :
وأهل خباء صالح ذات بينهم |
|
قد احتربوا في عاجل أنا آجله (٢) |
أي : جانيه وجار ذلك عليهم. وقال قوم : الكلام متعلّق بما قبله ، والمعنى : فأصبح من النّادمين من أجل ذلك. فعلى هذا يحسن الوقف هاهنا ، وعلى الأوّل لا يحسن الوقف. والأوّل أصحّ. و (كَتَبْنا) بمعنى : فرضنا. ومعنى (قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ) أي : قتلها ظلما ولم تقتل نفسا. (أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ) «فساد» منسوق على (نَفْسٍ) ، المعنى : أو بغير فساد تستحقّ به القتل. وقيل : أراد بالفساد هاهنا : الشّرك.
وفي معنى قوله تعالى : (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) خمسة أقوال : أحدها : أنّ عليه إثم من قتل الناس جميعا ، قاله الحسن ، والزجّاج. والثاني : أنه يصلى النار بقتل المسلم ، كما لو قتل النّاس جميعا ، قاله مجاهد ، وعطاء. وقال ابن قتيبة : يعذّب كما يعذب قاتل النّاس جميعا. والثالث : أنه يجب عليه من القصاص مثل ما لو قتل الناس جميعا ، قاله ابن زيد. والرابع : أن معنى الكلام : ينبغي لجميع الناس أن يعينوا وليّ المقتول حتى يقيدوه منه ، كما لو قتل أولياءهم جميعا ، ذكره القاضي أبو يعلى. والخامس : أن المعنى : من قتل نبيّا أو إماما عادلا ، فكأنما قتل الناس جميعا ، رواه عكرمة عن ابن عباس. والقول بالعموم أصحّ.
فإن قيل : إذا كان إثم قاتل الواحد كإثم من قتل الناس جميعا ، دلّ هذا على أنه لا إثم عليه في
__________________
(١) في «اللسان» أروح اللحم : تغيّرت رائحته.
(٢) نسبه أبو عبيدة في «مجاز القرآن» إلى الخفوت وهو توبة بن مضرس. ونسبه التبريزي في شرح «إصلاح المنطق» إلى خوات بن جبير وألحق بشعر زهير بن أبي سلمى في ديوانه بشرح الشنتمري.