أريد أن لا تبوء بإثمي وإثمك ، فحذف «لا» كقوله تعالى : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ*) أي : أن لا تميد بكم ، ومنه قول امرئ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا |
|
ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي (١) |
أراد : لا أبرح. وهذا مذهب ثعلب. والثالث : أن المعنى : أريد زوال أن تبوء بإثمي وإثمك ، وبطلان أن تبوء بإثمي وإثمك. فحذف ذلك ، وقامت «أن» مقامه ، كقوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) (٢) أي : حبّ العجل ، ذكره والذي قبله ابن الأنباريّ.
قوله تعالى : (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) الإشارة إلى مصاحبة النّار.
(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٣٠))
قوله تعالى : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ) فيه خمسة أقوال : أحدها : تابعته على قتل أخيه ، قاله ابن عباس. والثاني : شجّعته ، قاله مجاهد. والثالث : زيّنت له ، قاله قتادة. والرابع : رخّصت له ، قاله أبو الحسن الأخفش. والخامس : أنّ «طوّعت» فعّلت من «الطّوع» والعرب تقول : طاع لهذه الظّبية أصول هذا الشّجر ، وطاع له كذا ، أي : أتاه طوعا ، حكاه الزجّاج عن المبرّد. وقال ابن قتيبة : شايعته وانقادت له ، يقال : لساني لا يطوع بكذا ، أي : لا ينقاد ، وهذه المعاني تتقارب.
وفي كيفية قتله ثلاثة أقوال : أحدها : أنه رماه بالحجارة حتى قتله ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : ضرب رأسه بصخرة وهو نائم ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، والسّدّيّ عن أشياخه. والثالث : رضخ رأسه بين حجرين ، قال ابن جريج : لم يدر كيف يقتله ، فتمثّل له إبليس ، وأخذ طائرا فوضع رأسه على حجر ، ثم شدخه بحجر آخر ، ففعل به هكذا ، وكان ل «هابيل» يومئذ عشرون سنة. وفي موضع مصرعه ثلاثة أقوال : أحدها : على جبل ثور ، قاله ابن عباس. والثاني : بالبصرة ، قاله جعفر الصّادق. والثالث : عند عقبة حراء ، حكاه ابن جرير الطّبريّ.
وفي قوله تعالى : (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) ثلاثة أقوال : أحدها : من الخاسرين الدّنيا والآخرة ، فخسرانه الدّنيا : أنه أسخط والديه ، وبقي بلا أخ ، وخسرانه الآخرة : أنه أسخط ربّه ، وصار إلى النار ، قاله ابن عباس. والثاني ؛ أنه أصبح من الخاسرين الحسنات ، قاله الزجّاج. والثالث : من الخاسرين أنفسهم بإهلاكهم إيّاها ، قاله القاضي أبو يعلى.
(فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (٣١))
قوله تعالى : (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ) قال ابن عباس : حمله على عاتقه ، فكان إذا مشى تخطّ يداه ورجلاه في الأرض ، وإذا قعد وضعه إلى جنبه حتى رأى غرابين اقتتلا ، فقتل أحدهما الآخر ، ثم بحث
__________________
(١) في «اللسان» : الوصل : كل عظم على حدة لا يكسر ، ولا يخلط بغيره ، ولا يوصل به غيره والجمع أوصال والأوصال : مجتمع العظام.
(٢) سورة البقرة : ٩٣.