وهل قتل هابيل بعد تزويج أخت قابيل ، أم لا؟ فيه قولان : أحدهما : أنه قتله قبل ذلك لئلّا يصل إليها. والثاني : أنه قتله بعد نكاحها.
قوله تعالى : (قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ) وروى زيد عن يعقوب : «لأقتلنّك» بسكون النون وتخفيفها. والقائل : هو الذي لم يتقبّل منه. قال الفرّاء : إنما حذف ذكره ، لأنّ المعنى يدلّ عليه ، ومثل ذلك في الكلام أن تقول : إذا رأيت الظّالم والمظلوم أعنت ، وإذا اجتمع السّفيه والحليم حمد ، وإنما كان ذلك ، لأن المعنى لا يشكل ، فلو قلت : مرّ بي رجل وامرأة ، فأعنت ، وأنت تريد أحدهما ، لم يجز ، لأنه ليس هناك علامة تدلّ على مرادك. وفي المراد بالمتّقين قولان : أحدهما : أنهم الذين يتّقون المعاصي ، قاله ابن عباس. والثاني : أنهم الذين يتّقون الشّرك ، قاله الضّحّاك.
(لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (٢٨))
قوله تعالى : (ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ) فيه قولان : أحدهما : أما أنا بمنتصر لنفسي ، قاله ابن عباس. والثاني : ما كنت لأبتدئك ، قاله عكرمة. وفي سبب امتناعه من دفعه عنه قولان : أحدهما : أنه منعه التّحرّج مع قدرته على الدّفع وجوازه له ، قاله ابن عمر وابن عباس. والثاني : أنّ دفع الإنسان عن نفسه لم يكن في ذلك الوقت جائزا ، قاله الحسن ومجاهد.
وقال ابن جرير : ليس في الآية دليل على أنّ المقتول علم عزم القاتل على قتله ، ثمّ ترك الدّفع عن نفسه ، وقد ذكر أنه قتله غيلة ، فلا يدّعى ما ليس في الآية إلا بدليل.
(إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (٢٩))
قوله تعالى : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) فيه قولان :
أحدهما : إني أريد أن ترجع بإثم قتلي وإثمك الذي في عنقك ، هذا قول ابن مسعود ، وابن عباس. ومجاهد ، وقتادة ، والضّحّاك. والثاني : أن تبوء بإثمي في خطاياي ، وإثمك في قتلك لي ، وهو مرويّ عن مجاهد أيضا. قال ابن جرير : والصّحيح عن مجاهد القول الأول.
(٤١٨) وقد روى البخاريّ ومسلم في «صحيحيهما» من حديث ابن مسعود عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لا تقتل نفس ظلما إلّا كان على ابن آدم الأوّل كفل من دمها ، لأنه كان أول من سنّ القتل».
فإن قيل : كيف أراد هابيل وهو من المؤمنين أن يبوء قابيل بالإثم وهو معصية ، والمؤمن يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه؟ فعنه ثلاثة أجوبة (١) : أحدها : أنه ما أراد لأخيه الخطيئة ، وإنما أراد : إن قتلتني أردت أن تبوء بالإثم ، وإلى هذا المعنى ذهب الزجّاج. والثاني : أن في الكلام محذوفا ، وتقديره : إني
____________________________________
(٤١٨) هو الحديث المتقدم.
__________________
(١) قال الإمام الطبري رحمهالله ٤ / ٥٣٤ : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إني أريد أن تنصرف بخطيئتك في قتلك إياي وذلك هو معنى قوله : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي) وأما معنى : (وَإِثْمِكَ) فهو إثمه بغير قتله وذلك معصيته لله جل ثناؤه في أعمال سواه ، وأجمع أهل التأويل عليه.