(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٢٧))
قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِ) النّبأ : الخبر. وفي ابني آدم قولان :
أحدهما : أنّهما ابناه لصلبه ، وهما قابيل وهابيل ، قاله ابن عمر ، وابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة. والثاني : أنهما أخوان من بني إسرائيل ، ولم يكونا ابني آدم لصلبه ، وهذا قول الحسن ، والعلماء على الأوّل ، وهو أصحّ لقوله تعالى : (لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) (١) ولو كان من بني إسرائيل ، لكان قد عرف الدّفن.
(٤١٧) ولأنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال عنه : «إنه أوّل من سنّ القتل».
وقوله تعالى : (بِالْحَقِ) أي : كما كان. والقربان : فعلان من القرب ، وقد ذكرناه في آل عمران. وفي السّبب الذي قرّبا لأجله قولان : أحدهما : أنّ آدم عليهالسلام كان قد نهي أن ينكح المرأة أخاها الذي هو توأمها ، وأجيز له أن ينكحها غيره من إخوتها ، وكان يولد له في كلّ بطن ذكر وأنثى ، فولدت له ابنة وسيمة ، وأخرى دميمة ، فقال أخو الدّميمة لأخي الوسيمة : أنكحني أختك ، وأنكحك أختي ، فقال أخو الوسيمة : أنا أحقّ بأختي ، وكان أخو الوسيمة صاحب حرث ، وأخو الدّميمة صاحب غنم ، فقال : هلمّ فلنقرّب قربانا ، فأيّنا تقبّل قربانه فهو أحقّ بها ، فجاء صاحب الغنم بكبش أبيض أعين أقرن ، وجاء صاحب الحرث بصبرة (٢) من طعام ، فتقبّل الكبش ، فخزنة الله في الجنّة أربعين خريفا ، فهو الذي ذبحه إبراهيم ، فقتله صاحب الحرث ، فولد آدم كلّهم من ذلك الكافر ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني : أنهما قرّباه من غير سبب. روى العوفيّ عن ابن عباس أن ابني آدم كانا قاعدين يوما ، فقالا : لو قرّبنا قربانا ، فجاء صاحب الغنم بخير غنمه وأسمنها ، وجاء الآخر ببعض زرعه ، فنزلت النّار ، فأكلت الشّاة ، وتركت الزّرع ، فقال لأخيه : أتمشي في الناس وقد علموا أنّ قربانك تقبّل ، وأنك خير منّي لأقتلنّك.
واختلفوا هل قابيل وأخته ولدا قبل هابيل وأخته ، أم بعدهما؟ على قولين ، وهل كان قابيل كافرا أو فاسقا غير كافر؟ فيه قولان : وفي سبب قبول قربان هابيل قولان : أحدهما : أنه كان أتقى الله من قابيل. والثاني : أنه تقرّب بخيار ماله ، وتقرّب قابيل بشرّ ماله. وهل كان قربانهما بأمر آدم ، أم من قبل أنفسهما؟ فيه قولان : أحدهما : أنه كان وآدم قد ذهب إلى زيارة البيت. والثاني : أن آدم أمرهما بذلك.
____________________________________
(٤١٧) صحيح. أخرجه البخاري ٣٣٣٥ و ٦٨٦٧ و ٧٣٢١ ومسلم ١٦٧٧ والترمذي ٢٦٧٣ والنسائي ٧ / ٨١ ـ ٨٢ في «التفسير» ١٦٢ وعبد الرزاق ١٩٧١٨ وابن ماجة ٢٦١٦ وأحمد ١ / ٣٨٣ وابن أبي شيبة ٩ / ٣٦٤ وابن حبان ٥٩٨٣ والطحاوي في «المشكل» ١ / ٤٨٣ من حديث ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأوّل كفل من دمها ، لأنه أول من سنّ القتل؟». وانظر «تفسير الشوكاني» ٧٩٤ و «أحكام القرآن» ٦٩٠ بتخريجنا.
__________________
(١) سورة المائدة : ٣١.
(٢) في «اللسان» : الصّبرة : ما جمع من الطعام بلا كيل ولا وزن. كالكومة.