والثاني : الكاذبون ، قاله ابن زيد. والثالث : الكافرون ، قاله أبو عبيدة ، قال السّدّيّ : غضب موسى حين قالوا له : اذهب أنت وربّك ، فدعا عليهم ، وكانت عجلة من موسى عجلها.
(قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٦))
قوله تعالى : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) الإشارة إلى الأرض المقدّسة. ومعنى تحريمها عليهم : منعهم منها. فأمّا نصب «الأربعين» ، فقال الفرّاء : هو منصوب بالتّحريم ، وجائز أن يكون منصوبا ب «يتيهون». وقال الزجّاج : لا يجوز أن ينتصب بالتّحريم ، لأن التفسير جاء أنها محرّمة عليهم أبدا ، قلت : وقد اختلف المفسّرون في ذلك ، فذهب الأكثرون ، منهم عكرمة ، وقتادة ، إلى ما قال الزجّاج ، وأنها حرّمت عليهم أبدا ، قال عكرمة : فإنها محرّمة عليهم أبدا يتيهون في الأرض أربعين سنة ، وذهب قوم ، منهم الرّبيع بن أنس ، إلى أنها حرّمت عليهم أربعين سنة ، ثم أمروا بالسّير إليها ، وهذا اختيار ابن جرير. قال : إنما نصبت بالتّحريم ، والتّحريم كان عامّا في حقّ الكلّ ، ولم يدخلها في هذه المدّة منهم أحد ، فلمّا انقضت ، أذن لمن بقي منهم بالدّخول مع ذراريهم. قال أبو عبيدة : ومعنى : يتيهون : يحورون ويضلّون.
الإشارة إلى قصّتهم
قال ابن عباس : حرّم الله على الذين عصوا دخول بيت المقدس ، فلبثوا في تيههم أربعين سنة ، وماتوا في التّيه ، ومات موسى وهارون ، ولم يدخل بيت المقدس إلا يوشع وكالب بأبناء القوم ، وناهض يوشع بمن بقي معه مدينة الجبّارين فافتتحها. وقال مجاهد : تاهوا أربعين سنة يصبحون حيث أمسوا ، ويمسون حيث أصبحوا. وقال السّدّيّ : لمّا ضرب الله عليهم التّيه ، ندم موسى على دعائه عليهم ، وقالوا له : ما صنعت بنا ، أين الطّعام؟ فأنزل الله المنّ. قالوا : فأين الشّراب؟ فأمر موسى أن يضرب بعصاه الحجر. قالوا : فأين الظّلّ؟ فظلّل عليهم الغمام. قالوا : فأين اللباس؟ وكانت ثيابهم تطول معهم كما تطول الصّبيان ، ولا يتخرّق لهم ثوب ، وقبض موسى ولم يبق أحد ممّن أبى دخول قرية الجبّارين إلّا مات ، ولم يشهد الفتح. وفيه قول آخر أنّه لما مضت الأربعون خرج موسى ببني إسرائيل من التّيه ، وقال لهم : ادخلوا هذه القرية ، فكلوا منها حيث شئتم رغدا ، وادخلوا الباب سجّدا ، وقولوا حطّة ... إلى آخر القصّة. وهذا قول الرّبيع بن أنس ، وعبد الرّحمن بن زيد. قال ابن جرير الطّبريّ ، وأبو سليمان الدّمشقيّ : وهذا الصّحيح ، وأنّ موسى هو الذي فتح مدينة الجبّارين مع الصّالحين من بني إسرائيل ، لأن أهل السّيرة أجمعوا على أنّ موسى هو قاتل عوج ، وكان عوج ملكهم ، وكان بلعم بن باعوراء فيمن سباه موسى وقتله ، ولم يدخل مع موسى من قدمائهم غير يوشع وكالب ، وإنما حرّمت على الذين لم يطيعوا. وفي مسافة أرض التّيه قولان : أحدهما : تسعة فراسخ ، قاله ابن عباس. قال مقاتل : هذا عرضها ، وطولها ثلاثون فرسخا. والثاني : ستة فراسخ في طول اثني عشر فرسخا ، حكاه مقاتل أيضا.
قوله تعالى : (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) قال الزجّاج : لا تحزن على قوم شأنهم المعاصي ، ومخالفة الرّسل. وقال ابن قتيبة : يقال أسيت على كذا ، أي : حزنت ، فأنا آسى أسى.