إبل الصّدقة ، وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا ، فصحّوا ، وارتدّوا عن الإسلام ، وقتلوا الرّاعي ، واستاقوا الإبل ، فأرسل رسول الله في آثارهم ، فجيء بهم ، فقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وسمّر أعينهم ، وألقاهم بالحرّة حتى ماتوا ، ونزلت هذه الآية ، رواه قتادة عن أنس ، وبه قال سعيد بن جبير ، والسّدّيّ.
(٤٢٠) والثاني : أن قوما من أهل الكتاب كان بينهم وبين النبيّ صلىاللهعليهوسلم عهد وميثاق ، فنقضوا العهد ، وأفسدوا في الأرض ، فخيّر الله رسوله بهذه الآية : إن شاء أن يقتلهم ، وإن شاء أن يقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف. رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال الضّحّاك.
(٤٢١) والثالث : أنّ أصحاب أبي بردة الأسلميّ قطعوا الطريق على قوم جاءوا يريدون الإسلام ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
(٤٢٢) وقال ابن السّائب : كان أبو بردة ، واسمه هلال بن عويمر ، وادع النبيّ صلىاللهعليهوسلم على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، ومن أتاه من المسلمين لم يهج ، ومن مرّ بهلال إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يهج ، فمرّ قوم من بني كنانة يريدون الإسلام بناس من قوم هلال ، فنهدوا إليهم ، فقتلوهم وأخذوا أموالهم ، ولم يكن هلال حاضرا ، فنزلت هذه الآية.
والرابع : أنها نزلت في المشركين ، رواه عكرمة عن ابن عباس وبه قال الحسن (١).
واعلم أنّ ذكر «المحاربة» لله عزوجل في الآية مجاز. وفي معناها للعلماء قولان : أحدهما : أنه سمّاهم محاربين له تشبيها بالمحاربين حقيقة ، لأن المخالف محارب ، وإن لم يحارب. فيكون المعنى :
____________________________________
ضعيف ، وورد من مرسل السدي ، أخرجه الطبري ١١٨٢١. فلعل هذه الروايات تتأيد بمجموعها ، إلا أن روايات الصحيح خالية من ذكر نزول الآية ، فالله أعلم.
(٤٢٠) ضعيف. أخرجه الطبري ١١٨٠٧ عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس به ، وفيه إرسال ، علي لم يسمع من ابن عباس. وورد عن الضحاك مرسلا ، أخرجه الطبري ١١٨٠٨ وفيه جويبر بن سعيد وهو متروك.
(٤٢١) عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس ، وراوية أبي صالح هو الكلبي ، وهو متهم بالوضع ، فحديثه لا شيء.
(٤٢٢) عزاه المصنف لابن السائب وهو الكلبي ، واسمه محمد ، وهو ساقط متهم ، فخبره باطل.
__________________
(١) قال الإمام الطبري رحمهالله ٤ / ٥٤٩ : وأولى الأقوال في ذلك عندي أن يقال : أنزل الله هذه الآية على نبيه معرّفة حكمه على من حارب الله ورسوله ، وسعى في الأرض فسادا ، بعد الذي كان من فعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالعرنيين ما فعل.
وقال الإمام ابن العربي رحمهالله في «أحكام القرآن» ٢ / ٩٣ : من قال : إنها نزلت في المشركين أقرب إلى الصواب لأن عكلا وعرينة ارتدّوا وقتلوا وأفسدوا ، ولكن يبعد ، لأن الكفار لا يختلف حكمهم في زوال العقوبة عنهم بالتوبة بعد القدرة. وقد قيل للكفار (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ). وقد قال في المحاربين : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) وكذلك المرتد. يقتل بالردة دون المحاربة ، فثبت أنها لا يراد بها المشركون ولا المرتدون فلو ثبت أن هذه الآية نزلت في شأن عكل أو عرينة لكان غرضا ثابتا ، ونصا صريحا. وإنما ترك النبي صلىاللهعليهوسلم استتابة العرنيين لما أحدثوا من القتل والمثلة والحرب ، وإنما يستتاب المرتد الذي يرتاب فيستريب به ويرشد ويبيّن له المشكل.