يخالفون الله ورسوله بالمعاصي. والثاني : أنّ المراد : يحاربون أولياء الله ، وأولياء رسوله. وقال سعيد بن جبير : أراد بالمحاربة لله ورسوله ، الكفر بعد الإسلام. وقال مقاتل : أراد بها الشّرك (١). فأمّا «الفساد» فهو القتل والجراح وأخذ الأموال ، وإخافة السّبيل.
قوله تعالى : (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا) اختلف العلماء هل هذه العقوبة على التّرتيب ، أم على التّخيير؟ فمذهب أحمد رضي الله عنه أنها على التّرتيب (٢) ، وأنهم إذا قتلوا ، وأخذوا المال ، أو قتلوا ولم يأخذوا ، قتلوا وصلّبوا ، وإن أخذوا المال ، ولم يقتلوا ، قطّعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإن لم يأخذوا المال ، نفوا. قال ابن الأنباريّ : فعلى هذا تكون «أو» مبعّضة ، فالمعنى : بعضهم يفعل به كذا ، وبعضهم كذا ، ومثله قوله تعالى : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) (٣) المعنى : قال بعضهم هذا ، وقال بعضهم هذا. وهذا القول اختيار أكثر اللغويين. وقال الشّافعيّ : إذا قتلوا وأخذوا المال ، قتلوا وصلّبوا ، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال ، قتلوا ولم يصلّبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا ، قطّعت أيديهم وأرجلهم من خلاف. وقال مالك : الإمام مخيّر في إقامة أيّ الحدود شاء ، سواء قتلوا أو لم يقتلوا ، أخذوا المال أو لم يأخذوا ، والصّلب بعد القتل. وقال أبو حنيفة ، ومالك : يصلب ويبعج برمح حتى يموت. واختلفوا في مقدار زمان الصّلب. فعندنا أنه يصلب بمقدار ما يشتهر صلبه. واختلف أصحاب الشّافعيّ ، فقال بعضهم : ثلاثة أيام ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وقال بعضهم : يترك حتى يسيل صديده.
قال أبو عبيدة : معنى «من خلاف» أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ، يخالف بين قطعهما. فأمّا «النفي» فأصله الطّرد والإبعاد. وفي صفة نفيهم أربعة أقوال : أحدها : إبعادهم من بلاد الإسلام إلى دار الحرب ، قاله أنس بن مالك ، والحسن ، وقتادة ، وهذا إنما يكون في حقّ المحارب المشرك ، فأما المسلم فلا ينبغي أن يضطرّ إلى ذلك. والثاني : أن يطلبوا لتقام عليهم الحدود ، فيبعدوا ، قاله ابن عباس ، ومجاهد. والثالث : إخراجهم من مدينتهم إلى مدينة أخرى ، قاله سعيد بن جبير. وقال مالك : ينفى إلى بلد غير بلده ، فيحبس هناك. والرابع : أنه الحبس ، قاله أبو حنيفة وأصحابه. وقال أصحابنا : صفة النّفي : أن يشرّد ولا يترك يأوي في بلد ، فكلّما حصل في بلد نفي إلى بلد غيره. وفي «الخزي»
__________________
(١) قال الإمام الطبري رحمهالله ٤ / ٥٥٢ : وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال : «المحارب لله ورسوله» من حارب في سابلة المسلمين وذمتهم ، والمغير عليهم في أمصارهم وقراهم حرابة.
(٢) قال الإمام الموفق في «المغني» ١٢ / ٤٧٥ : مسألة : «فمن قتل منهم وأخذ المال ، قتل وإن عفا صاحب المال ، وصلب حتى يشتهر ، ودفع إلى أهله ، ومن قتل منهم ولم يأخذ المال قتل ولم يصلب ، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى ، في مقام واحد ، ثم حسمتا وخلي» قال الإمام الموفق في شرحه : روينا نحو هذا عن ابن عباس ، وبه قال قتادة وأبو مجلز وحماد والليث والشافعي وإسحاق : وعن أحمد : أنه إذا قتل وأخذ المال قتل وقطع ، كما لو زنى وسرق ، وذهبت طائفة إلى أن الإمام مخيّر فيهم بين القتل والصلب ، والقطع والنفي لأن «أو» تقتضي التخيير ، وهذا قول ابن المسيب وعطاء ومجاهد والحسن والضحاك والنخعي وأبي الزناد وأبي ثور وداود ، وقال أصحاب الرأي : إن قتل قتل ، وإن أخذ المال قطع ، وإن قتل وأخذ المال فالإمام مخيّر بين قتله وصلبه ، وبين قتله وقطعه ، وبين أن يجمع له ذلك كله. لأنه وجد منه ما يوجب القتل والقطع اه ملخصا. وانظر «تفسير القرطبي» ٦ / ١٥٠.
(٣) سورة البقرة : ١٣٥.