قولان : أحدهما : أنه العقاب. والثاني : الفضيحة.
وهل يثبت لهم حكم المحاربين في المصر ، أم لا؟ ظاهر كلام أصحابنا أنه لا يثبت لهم ذلك في المصر وهو قول أبي حنيفة. وقال الشّافعيّ ، وأبو يوسف : المصر والصّحارى سواء (١) ، ويعتبر في المال المأخوذ قدر نصاب ، كما يعتبر في حقّ السّارق ، خلافا لمالك.
(إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤))
قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) قال أكثر المفسّرين : هذا الاستثناء في المحاربين المشركين إذا تابوا من شركهم وحربهم وفسادهم ، وآمنوا قبل القدرة عليهم ، فلا سبيل عليهم فيما أصابوا من مال أو دم ، وهذا لا خلاف فيه. فأما المحاربون المسلمون ، فاختلفوا فيهم ، ومذهب أصحابنا : أن حدود الله تسقط عنهم من انحتام القتل والصّلب والقطع والنّفي. فأمّا حقوق الآدميين من الجراح والأموال ، فلا تسقطها التوبة ، وهذا قول الشّافعيّ (٢).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٣٦) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٧))
قوله تعالى : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) في «الوسيلة» قولان :
أحدهما : أنها القربة ، قاله ابن عباس ، وعطاء ، ومجاهد ، والفرّاء. وقال قتادة : تقرّبوا إليه بما يرضيه. قال أبو عبيدة : يقال : توسّلت إليه ، أي : تقرّبت إليه. وأنشد :
__________________
(١) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ١٢ / ٤٧٤ : والمحاربون الذين يعرضون للقوم بالسلاح في الصحراء ، فيغصبونهم المال مجاهرة. وجملته أن المحاربين الذين تثبت لهم أحكام المحاربة ، تعتبر لهم شروط ثلاث :
أحدها : أن يكون ذلك في الصحراء ، فإن كان منهم في القرى والأمصار ، فقد توقف أحمد رحمهالله فيهم ، وظاهر كلام الخرقي أنهم غير محاربين وبه قال أبو حنيفة والثوري وإسحاق وقال كثير من أصحابنا هو قاطع حيث كان. وبه قال الأوزاعي ، والليث والشافعي وأبو يوسف وأبو ثور لتناول الآية بعمومها كل محارب ، ولأن ذلك إذا وجد في مصر كان أعظم خوفا ، وأكثر ضررا ، فكان بذلك أولى.
(٢) جاء في «المغني» ١٢ / ٤٨٣ : مسألة «فإن تابوا من قبل أن يقدر عليهم ، سقطت عنهم حدود الله تعالى وأخذوا بحقوق الآدميين ، من الأنفس والجراح والأموال ، إلا أن يعفى لهم عنها» قال الإمام الموفق : لا نعلم في هذا خلافا بين أهل العلم ، وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأبو ثور ، والأصل فيه قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ...) فعلى هذا يسقط عنهم تحتّم القتل والصلب والقطع والنفي ، ويبقى عليهم القصاص في النفس والجراح ، وغرامة المال والديّة لما لا قصاص فيه ، فأما إن تاب بعد القدرة عليه لا يسقط عنه شيء من حدود الله تعالى. وإن فعل المحارب ما يوجب حدا لا يختص المحاربة : كالزنى ، والقذف ، وشرب الخمر ، والسرقة ، فذكر القاضي أنها تسقط بالتوبة ، لأنها حدود الله تعالى ، إلا حد القذف ، لأنه حق آدمي ، ويحتمل أن لا تسقط اه ملخصا.