والامتثال ، لما يدعوا إليه .. فإذا زايلوا مجلس الرسول ، وخلوا إلى أنفسهم «بيّت طائفة منهم غير الذي تقول» وأنكروا على أنفسهم هذا القول الذي قالوه من قبل ، وأقاموا أمرهم على خلافه .. فلا استجابة ولا طاعة .. ولكن عصيان ومخالفة ..
وفى قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ طاعَةٌ) ازدراء لهؤلاء القوم ، وتحقير لهم ، وذلك بالحديث عنهم بضمير الغائب ، لأنهم ليسوا أهلا لأن يشرفوا بخطاب ربّ العالمين .. ثم كان الحديث عنهم بالضمير المبهم ، دون ذكرهم والكشف عن ذواتهم ، امتهانا لهم ، واستخفافا بشأنهم ، حتى لكأنهم أهون من أن يتعرف عليهم ، وأضأل من أن تظهر لهم ذاتية مميزة لهم ..
وفى قوله تعالى : (فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ) إشارة أخرى إلى ضمور ذواتهم ، وضئولة شأنهم .. وأنهم فى مجلس الرسول ، وبين أهل هذا المجلس ، شخوص ضامرة ، وشخصيات باهتة ، يندسون بين الناس ، فى حذر ، وفى خفية ، حتى لا تأخذهم العيون ، ولا تفضح مستورهم النظرات .. هكذا شأن المنافقين ، يعيشون دائما وراء ستار من الحذر ، والتلصص ، ولا يغشون المجالس إلّا فى حرص شديد على ألا تأخذهم العيون ، ولا ترتقع إليهم الأبصار ..
وفى التعبير بقوله تعالى : (بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ) تصوير معجز لحال هؤلاء المنافقين ، الذين كانوا فى مجلس الرسول أشباحا لا تكاد ترى ، حتى إذا خرجوا من مجلس الرسول ، تطاولت أعناقهم ، وشمخت أنوفهم ، وانتفضت أجسامهم ، فإذا هم أشبه بالطواويس خيلاء وإعجابا! يستعرضون الناس ، ويعرضون على أنظارهم هذا الوجه الجديد منهم ، وكأنهم بذلك يستوفون