ولا يقاتلون قومهم مع المسلمين .. فهم ـ والأمر كذلك ـ فتنة نائمة ، وشر ساكن .. ومن مصلحة المسلمين ـ وهم فى وجه عداوة وحرب ـ ألّا يحركوا هذا الشرّ ، وألا يوقظوا تلك الفتنة ..
وقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ) يبيّن الحكمة من موادعة هؤلاء المنافقين ومسالمتهم .. إذ كان من المتوقع أن يكونوا حربا على المسلمين مع قومهم ، وأما وقد كفّوا أيديهم واعتزلوا الحرب ، فلم يكونوا هنا أو هناك ، فإن موادعتهم كسب للمسلمين ، وإضعاف لقوة عدوّهم ، وفتح ثغرة فى صفوفهم .. ربما كانت مدخلا يدخل منه كثيرون ، ممن يعتزلون حرب المسلمين ويكفون أيديهم عنهم ..
وقوله تعالى : (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) هو تنبيه للمسلمين إلى أخذ الحذر والحيطة من هؤلاء المنافين ، الذين قد يغلب عليهم طبعهم ، فلا يمسكون بالعهد الذي عاهدوا المسلمين عليه ، والذين ربما لو رأوا كفة قومهم هى الراجحة مالوا إليهم ، وقاتلوا معهم ، غير ملتفتين إلى عهد أو ميثاق .. ومن هنا كان على المسلمين أن يقيموا عهدهم معهم على هذا المفهوم ، وأنه عهد غير مطلق ، وإنما يوثقه أو ينقضه ما يكشف عنه واقع الحال من هؤلاء المنافقين ، فإن استقاموا استقام لهم المسلمون ، وإن نكثوا فلا عهد لهم عند المسلمين ولا ذمّة ..
وقوله تعالى : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها) بيان لما تكشف عنه التجربة من أمر هؤلاء المنافقين ، وأن جماعة منهم ، ركبها النفاق ، وغلب عليها حكمه ، فلم تكن موادعتها للمسلمين إلا ضربا من ضروب النفاق ، تريد به أن تضمن السلامة والعافية ، وأنه إذا انتصر المسلمون على قومهم ، كانوا هم بمأمن مما يجرى على