القاتل على القاتل .. وحسبه ما وقع فى نفسه من ألم وحسرة ، لما جنت يده المخطئة عليه ، بقتل نفس مؤمنة لم يرد بها شرّا ، ولم يضمر لها سوءا.
وقوله تعالى : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) أي أن جبر دم القتيل المؤمن بيد الخطأ ، هو تحرير رقبة مؤمنة ، ولا دية لأولياء الدم ، لأنهم فى حرب مع المؤمنين ، وفى أخذ هذا المال من المسلمين تقوية لأعدائهم وإضعاف للمؤمنين .. وحسب المؤمنين أن فقدوا عضوا منهم بهذا القتيل المؤمن ، فلا يجمع عليهم بين قتله ، وتوجيه ديته إلى الجبهة المحاربة للمؤمنين ..
وقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) ذلك أن الوفاء بالعهد الذي بين المؤمنين ، ومن عقدوا العهد معهم ، أمر أوجبه الإسلام على المسلمين ، ولم يحلّهم منه لأى سبب ، حتى ولو كان العهد مع من لم يدخلوا فى دين الله!
ولهذا قدم تقديم الدّية هنا على تحرير الرقبة ، لأن العهد فى ذمة المسلمين جميعا ، لا تبرأ ذمتهم إلا بالوفاء به ، إن لم يسعه مال القاتل خرج من بيت مال المسلمين .. أما تحرير الرقبة ، فهو فى ذمة القاتل وحده ، له فيه فسحة من الوقت ونظرة إلى ميسرة!
وقوله تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ) أي فإن كان القاتل معسرا ، لا يستطيع أن يحرر رقبة ، أو يقدم دية ، فليصم شهرين متتابعين ، حتى يغسل من نفسه مشاعر الحسرة والألم لهذا الدم المسفوك!
وقوله تعالى : (تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) أي أن صيام هذين الشهرين لأجل التوبة المتنزلة على القاتل من الله ، والرحمة به ، من أن يقتل نفسه أسفا وندما .. إذ علم الله أنه لم يعمد إلى القتل ، فاقتضت حكمته تعالى ، أن يرحم هذا القاتل ، ويجعل له من همه فرجا ، ومن ضيقه مخرجا ..