وهنا نسأل :
ماذا عن قوله تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٥ : الأحزاب).
ـ هذا القول الذي يرفع اللوم والمؤاخذة عن الأفعال التي تقع من الإنسان عن غير قصد وعمد؟
ثم ماذا عن قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «رفع عن أمّتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .. وقد جاء مقررا هذا المعنى الذي تضمنته الآية الكريمة ، ومؤكدا له؟
ما تأويل هذا؟ مع ما أوجبه الله سبحانه وتعالى على القاتل خطأ ، من تحرير رقبة مؤمنة ودية مسلّمة إلى أهل القتيل .. فإن لم يجد ما يحرر به رقبة ، ويقدّم به دية ، فصيام شهرين متتابعين؟ أليس فى هذا مؤاخذة وقصاصا؟ فكيف التوفيق بين هذين الحكمين ، اللذين يدفع أحدهما المؤاخذة عن فعل الخطأ ، بينما يوجّه الآخر المؤاخذة إليه؟
والجواب على هذا ـ والله أعلم ـ هو أن هناك روحا أزهقت ، ونفسا قتلت ، وأن من شأن هذا الحدث أن يثير هياجا فى المشاعر ، واضطرابا فى العواطف ، وألما فى النفوس .. يبدأ ذلك من خاصة أهل القتيل ، من آباء ، وأبناء ، وإخوة ، وأعمام ، وأبناء أعمام .. ثم يمتد إلى أصهار القتيل ، وإلى ذوى قرابته من بعيد ، وإلى أصدقائه ، وأحبّائه ثم إلى المجتمع الذي يعيش فيه ، ويتبادل المنافع مع أفراده!
إن حادث القتل من أشبع الحوادث التي تقع فى محيط الحياة الإنسانية .. والقتل الخطأ ، وإن كان يخفف من وقع المصيبة على أهلها ، إلا أن ما يبقى منه مع ذلك ، هو همّ ثقيل ، وبلاء عظيم .. (م ٥٥ ـ التفسير القرآنى ـ ج ٥)