وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا) هو دعوة للمؤمنين ، الذين خرجوا من ديارهم يبتغون المثوبة والرضوان من الله ـ دعوة لهم أن يتبيّنوا طريقهم ، وأن يتثبّتوا من كل ما يأتون وما يذرون ، حتى يتجنبوا الزلل والعثار ، وهم فى طريقهم إلى الله .. فإن لم يفعلوا ، فقد تنحرف أقدامهم عن جادّة الطريق ، ويعودون بالإثم من حيث يرجون الثواب.
وأكثر ما ينبغى الالتفات إليه هنا هو الدماء ، حتى لا تسفك قطرة منها بغير حق .. وقد بينت الآيات السابقة ما للدماء من حرمة عند الله ، وما لمستبيحها من جزاء أليم فى الدنيا والآخرة ..
وهنا ـ فى هذه الآية ـ دعوة للمؤمنين ، المجاهدين فى سبيل ، أن يتحرّوا مواقع سيوفهم ، فلا تقع إلا حيث ينبغى لها أن تقع ، ولا تريق دما إلا ما استحق أن يراق .. وفى هذا يقول الله تعالى :
(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا).
ففى مواطن الحرب ـ والنفوس مهتاجة ، والأعصاب متوترة ـ تقع هنا وهناك رميات طائشة ، تأخذ البريء بذنب المسيء .. كما قد يستتر بعض الناس بثوب الخديعة ، حين يرى الموت دانيا منه ، فى ضربة سيف أو طعنة رمح ، فيدفع ذلك بإظهار الإيما ن ، وبكلمة لا إله إلا الله ، يقولها بفمه .. أو يلقى بتحيّة الإسلام إلى المسلمين ، ليريهم أنه منهم ..
فهذه وأمثالها صور تقع فى مواطن الحرب ، وهى فى ظاهرها تقيم لصاحبها حرمة يعصم بها دمه من سيوف المسلمين ، أما الباطن فلا يعلمه إلا علّام الغيوب ..