ومن أجل هذا ، كان على المسلمين ألا يتسرعوا فى الحكم على باطن هؤلاء الذين يظهرون الإسلام ، ويحملون بعض شاراته .. فقد يكون باطنهم كظاهرهم ، وقتلهم فى تلك الحال جرم عظيم ، لأنه قتل نفس مؤمنة .. أما إن كان باطنهم على خلاف ظاهرهم ـ وهذا ما لا يعلمه إلا الله ـ فإن على المسلمين أن يقبلوا هذا الظاهر ، وأن يعاملوا أصحابه عليه ، وأن يكلوا باطنهم إلى الله ..
ومن يدرى؟
فقد ينصلح أمر كثير من هؤلاء الذين وجدوا فى الإسلام ـ على نفاقهم معه ـ يدا رحيمة .. دفعت عنهم الموت الذي كاد يختطفهم! إذ لا يمكن أن ينجلى هذا الموقف دون أن يراجع كثير منهم نفسه ، ويصحح موقفه من الإسلام .. وفى هذا استنقاذ لهم من الهلاك ، وانتفاع بقوة جديدة ، تضاف إلى الإسلام ، وتعمل من أجله ..
وفى قوله تعالى :
(تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) تبغيض للمسلمين من التسرّع فى الحكم على من جاءهم فى زىّ المسلمين وعلى سمتهم ـ بأنه ليس مسلما ، وبهذا يستباح دمه وماله .. وكأنه لأجل المال ـ وهو عرض زائل ـ قد كان هذا الحكم الذي حكم به على هذا الإنسان ، وكأن دمه الذي أريق كان من أجل الحصول على ما معه من سلاح أو مال!
وقوله تعالى :
(كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ) هو تذكير للمؤمنين بنعمة الله عليهم ، إذ أخرجهم من منطقة الظلّ التي كانت تلقى على إسلامهم شيئا من الشّبه ، حتى ليختلط أمرهم على المسلمين ، فلا يتحقق أحد من إيمانهم ، وذلك حين كانوا مستضعفين فى مكة ، لم يستطيعوا أن يجهروا بإسلامهم ، ولم يقدروا