وفى قوله تعالى : (فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) لمسة رقيقة رفيقة ، من لمسات السماء ، لتعطف القلوب على هؤلاء الفتيات ، ولتفتح عليهن باب الأمل والرجاء ، فى حياة كريمة ، يجدنها فى آفاق الحياة الزوجية ، ويخرجن بها عن دائرة العبودية ، والامتهان!.
فالأمة حين تتحول إلى زوجة لرجل حرّ ، تصبح فى ضمان رجل يرعاها ، ويتعهد شؤونها ، ويقوم على أمرها ، بعد أن كانت هملا مطلقا ، لا ينظر إليها إلا كما ينظر إلى متاع أو حيوان!
وانظر إلى رحمة الله ، وإلى تدبيره سبحانه ، فى مواساة الإماء ، وتحرير رقابهن.
فأولا : ما وصف به الإماء هنا ، من أنهن فتيات ، دون وصفهن بالإماء .. ثم إضافتهن إلى المجتمع الإسلامى ، المخاطب بهذا الخطاب من رب العزة .. «فتياتكم» .. فهنّ بهذا الوصف من أبناء هذا المجتمع ، ومن فتياته ، ولسن من عالم غريب عنه.
وثانيا : يأتى وصفهن بالمؤمنات ، فى مقابل وصف الحرائر المحصنات بهذا الوصف .. (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) فهؤلاء وأولئك جميعا ـ حرائر وإماء ـ على منزلة واحدة عند الله ، فى التعرف إليه ، والإيمان به .. وفى هذا المقام يكون التفاضل بين إنسان وإنسان .. فربما تبلغ الأمة بإيمانها منزلة رفيعة عند الله ، تتقطع دونها أعناق كثير من الحرائر المؤمنات .. ولهذا جاء قوله تعالى بعد ذلك كاشفا عن هذه الحقيقة ، ومنوها عنها : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) وبهذا الإيمان يفضل بعضكم بعضا ، دون حساب للوضع الاجتماعى للحرّة أو الأمة .. ثم جاء قوله تعالى بعد ذلك : (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) مؤكدا لهذه الحقيقة ، وأن الإيمان بالله ، والعمل بمقتضى هذا الإيمان هو الذي يحدّد درجات