يبدو هذا المقطع من الآية الكريمة ، وكأنه غريب عنها ، إذ هو معترض بين أولها وآخرها ، حيث يقول الله تعالى بعد هذا المقطع : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) :.
وبالنظر فى وجه الآية الكريمة يبدو التجانس واضحا بين مقاطعها جميعا ، بحيث تتلاحم معانيها ، كما تتناغم كلماتها ، فتؤلف صورة ، هى آية من آيات الله ، ومعجزة من معجزات كتابه الكريم.
ففى قوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ ..) الآية .. تذكير للمؤمنين بفضل الله عليهم فيما بيّن لهم من أمر دينهم ، وفيما شرع لهم من أحكام ، هى دستور لحياة كريمة طيبة ، ومنهج لتربية أمة أراد الله لها الكرامة والعزة ، وجعلها خير أمة أخرجت للناس ..
فإذا ذكر المسلمون ذلك ، وهم يتلقون أحكام هذا الدستور ، ومادّة ذلك المنهج ، كان ذك أشرح لصدورهم ، وأرضى لنفوسهم ، وأدعى إلى تمسكهم بدين الله ، واستقامتهم على شريعته ..
ومن تمام نعمة الله على المؤمنين أن يسوق إليهم هذه البشريات ، وهو يزودهم بهذا الزاد الطيب من أحكام دينهم ، وأصول شريعتهم .. فقد أصبحوا بمأمن من الكفار والمشركين والمنافقين من أن يفسدوا عليهم دينهم ، وأن يفتنوهم فيه ، إذ بلغ الإسلام غايته ، وأخذ مكانه من القلوب ، وانضوى إلى رايته من ينصره ويحمى حماه ، (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) .. هكذا صار موقف الكافرين من الإسلام .. اليأس من أن يقفوا له ، أو يصرفوا الناس عن طريقه .. وعلى هذا فليقف المسلمون للكافرين وقفة التحدّى والرّدع إن هم حاولوا أن ينالوا منهم نيلا .. (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ)
وفى قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي