أما الرّجلان .. فقد اختلف فى قراءتهما ، ولهذا اختلف فى الحكم الواقع عليهما .. إذ قرىء : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) بالنصب بعطف أرجلكم على (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ) كما قرىء بالجرّ ، بعطف أرجلكم على رءوسكم. التي هى أقرب معطوف إليها.
فالذين قرءوا (وَأَرْجُلَكُمْ) بالنصب ، قالوا إن غسل الرجلين إلى الكعبين فرض ، شأنهما فى هذا شأن الوجه واليدين إلى المرافق ..
والذين قرءوا وأرجلكم «بالجرّ» .. قالوا : إن حكم الأرجل هنا هو حكم الرءوس ، وهو المسح .. أي فامسحوا برءوسكم وامسحوا بأرجلكم إلى الكعبين. ولكنّ هذا الحكم منسوخ بالسنّة ، لما روى البخارىّ عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : «تخلّف النبىّصلىاللهعليهوسلم فى سفر ، فأدركنا وقد أرهقنا العصر ـ أي كاد يفلت منا وقته ـ فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا ، فنادى ـ أي رسول الله ـ بأعلى صوته : «ويل للأعقاب من النار» مرتين ، أو ثلاثا.
وروى هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن طريق آخر ، قال : «خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم من مكة إلى المدينة ، حتى إذا كنا بماء بالطريق ، تعجّل قوم عند العصر ، فتوضئوا وهم عجال ، فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسسها الماء ، فقال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «ويل للأعقاب من النار ، أسبغوا الوضوء».
يقول ابن حزم فى التعليق على هذا الخبر :
«فكان هذا الخبر زائدا على ما فى الآية ... وناسخا لما فيها .. ولما فى الآية (أي من أحكام) والأخذ بالزائد (أي ما جاءت به السنة هنا) واجب.».