وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت إليه قائلة : ارحمني يا سيد يا ابن داود .. ابنتي مجنونة جدا ، فلم يجبها بكلمة ، فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين : اصرفها لأنها تصيح وراءنا ، فأجاب وقال : «لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضآلة» (متى : ١٥).
وفى قوله تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا) به إشارة إلى أن هؤلاء النصارى الذين أخذ الله عليهم الميثاق كانوا من اليهود ، الذين اتبعوا المسيح .. والمعنى : «ومن اليهود الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) وفى هذا تشنيع على اليهود أيضا ، إذ كانوا دائما على هذا الخلق اللئيم فى المكر بآيات الله ، ونقض المواثيق التي واثقهم الله بها .. فهم فى ثوب النصرانية كما هم مسلاخ اليهودية ، وهم فى اتّباعهم لعيسى كما هم فى أخذهم لشريعة موسى .. كفر مع كفر ، وضلال إلى ضلال.
وفى قوله تعالى : (نَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) إشارة إلى أن أتباع المسيح قد تأولوا دعوته على غير مدلولها الذي أقامهم عليه ، وعاش فيهم به .. فلم يكن فيهم إلها ولا ابن إله ، ولم يؤمن به الذين عاشوا معه على أنه إله أو ابن إله ، ولم يقل أصحاب الأناجيل الأربعة ـ وفيهم اثنان من الحواريين ـ أنه إله ولا ابن إله ، وإنما كانوا ـ كما تحدث الأناجيل ـ ينادونه : يا معلم ، يا سيد ، وأن أعظم صورة تصوروها له : أنه يوحنّا المعمدان ، بعث إليهم من جديد!
فنسيان حظهم مما ذكّروا به هو هذا التأويل الفاسد لما فى الأناجيل ، ولو أنهم استقاموا عليها لما وقع لأحد من أتباعه أن المسيح إله ، أو ابن إله! وقد عرضنا هذه القضية من قبل ، عند تفسير الآيات الأخيرة من سورة النساء.
قوله تعالى : (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) هو بيان لثمرة هذا النسيان المتعمد ، وذلك التأويل الفاسد لكلمات المسيح وتعاليمه ، من