وإذ لفت الله النّاس فى تلك الآيات إلى الطريق القويم ، الذي ينبغى أن يلتزموه ، ويقيموا خطوهم عليه ، حتى لا يقع بينهم صدام ، ينتهى إلى تقطيع الأرحام ، وسفك الدماء ـ فكان من تدبير الحكيم العليم ، أن يدعوهم إليه ، وأن يستحثهم إلى عبادته وطاعته. حتى تمتلىء قلوبهم إيمانا به ، وخشية له ، وتوقيرا لأوامره ونواهيه ، وبهذا يكون لما وصّاهم به سبحانه من البر بأنفسهم ، والعدل فيما بينهم ، والتراحم بين أغنيائهم وفقرائهم ، وأقويائهم وضعفائهم ـ يكون لهذا مكانه من قلوبهم ، وأثره فى تصرفاتهم ، وفى سلامة نوازعهم ، واستقامة سلوكهم.
(وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً).
فإذا أخذ العبد نفسه بطاعة الله ؛ ووجه إليه وجهه خالصا ، قانتا ، خاشعا ، غير ملتفت إلى سواه ، ولا ناظر إلى غيره ـ وجد لخشية الله سطوة تملك عليه أهواءه ، ولجلاله خشية يستحى معها أن يصرف وجهه عن الله ، ويسلم يده لنزواته ونزعاته .. وبهذا يجد لوصايا الله مكانا متمكنا من نفسه ، يعصمه من أن ينحرف ، أو يزلّ.
والدعوة إلى عبادة الله دعوة عامة ، تتوجه إلى عباده جميعا ،. فهم جميعا مدعوّون إلى رحابه ، لينالوا رضاه ، وينعموا برحمته .. وليس لأحد أن يحجز أحدا عن الله ، أو يصدّه عن سبيله ، بحجّة أن دعوة الله قاصرة عليه ، أو على قومه ، وبنى جنسه .. فذلك عدوان على الله ، وكفر به ، فوق أنه عدوان على الناس ومصادرة لحق مشروع لهم ..
فالطريق إلى الله مفتوح لكل إنسان ، يفتح قلبه لله ، ويوجه وجهه إليه .. وأنه إذا كان لأحد أن يحول بين إنسان وبين غاياته التي يتغيّاها فى الحياة ، أو أن يسلبه شيئا ملكه واستحوذ عليه ، فليس فى مستطاع أحد أن يحول بين