وهذا الانتقال السريع من الإثم إلى الطاعة ، والانخلاع من متابعة الشيطان إلى ملاقاة الله ـ هذا الانتقال من شأنه أن يحدث فى النفس هزّة مزلزلة ، وأن يثير فى كيان الإنسان انقلابا عاصفا ، حين يرى تلك المفارقة العجيبة البعيدة بين الموقفين اللذين وقفهما ، والذي لا يبعد أحدهما عن الآخر غير خطوة .. إنه فى هذا الموقف ـ أكثر من غيره ـ يدرك فرق ما بين الضلال والهدى ، والظلام والنور ، ومتابعة الشيطان ، ولقاء وجه الرحمن ..
إن هذا الموقف جدير به أن يحمل الإنسان ـ فى قوة ـ على مخالفة هواه ، والرجوع إلى الله ، رجوعا لا يلتفت بعده إلى وراء أبدا!!
قوله تعالى : (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) هو عطف على قوله سبحانه : (وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) وهما ـ أي المتعاطفان ـ واقعان تحت حكم النهى فى قوله تعالى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ ..) فكما لا يقرب شارب الخمر الصلاة حتى يفيق ويعلم ما يقول ، كذلك لا يقرب الجنب الصلاة حتى يتطهر بالاغتسال ..! أي لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ، ولا تقربوها وأنتم جنب حتى تغتسلوا.
إن شأن الصلاة عظيم ، وأمرها جليل ، وإذ كان هذا شأنها وذلك أمرها ، فإنه يجب ألا يدخل حماها ، ولا يتلبّس بها إلّا من كان أهلا لأن يلقاها ، وبأنس بها ، ويتجاوب معها ، ويستشعر جلال الله على سنا أضوائها .. والمخمور غير أهل لهذا اللقاء .. حتى يفيق ويتخلص خماره ، ويعود إليه عازب عقله ويستردّ إنسانيته التي افتقدها مع سكرته ـ والجنب غير أهل هذا اللقاء أيضا .. حتى يغتسل ويتطهر ، وينزع عنه بهذا الاغتسال ما تلبّس به من مشاعر الحيوانية ، ليعود إنسانا ، كما كان من قبل أن يتلبس بما تلبس به!
والجنب ، والجنابة : كناية عن مباشرة النساء.