فيما ينزل بالناس من كوارث ومحن ، فكيف يكون منهم عمل يخفف عن الناس لما ، أو يسوق إليهم عافية؟
إنهم لو كان إلى أيديهم شىء من رحمة الله وفضله ، لحرموا الناس أن ينالوا ذرة من هذه الرحمة وذلك الفضل!
والنقير هو النقرة فى ظهر النواة .. وهو شىء غاية فى الصغر والضآلة ، ومثله الفتيل والقطمير.
وقوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) هو إعلان عن ذلك الداء الذي يولّده الشحّ الذي طبع عليه القوم ، وهو داء الحسد .. فالقوم تتّقد فى قلوبهم نار الحسد والكمد ، إذا رأوا نعمة من نعم الله تصيب عبدا من عباد الله! فهم يتحرقون غيظا وكمدا أن ساق الله إلى «محمد» هذا الفضل العظيم ، ووضع فى يده تلك النعمة السابغة ، حين اصطفاه لرسالته ، وأنزل عليه كتابه الكريم.
فما لهم ـ قاتلهم الله ـ يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ، وقد وسّع الله عليهم وآتاهم من فضله ، وأنزل عليهم من نعمه ، ما لو استقاموا عليه ، وانتفعوا به لسعدوا ، وأسعدوا الناس معهم؟ (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) فمن آل إبراهيم كان أنبياء بنى إسرائيل : إسحاق ، ويعقوب ، ويوسف ، وموسى ، وداود ، وسليمان ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى.
فما أكثر الخير الذي ساقه الله إليهم على يد أنبيائه ورسله ، ولكن القوم استقبلوا هذا الخير بالجحود والكفران : (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) وقليل منهم أولئك الذين آمنوا ، وكثير منهم أولئك الذين كفروا وجحدوا .. (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) فهى الجزاء العادل لمن مكر بآيات الله ، وبدل نعمة الله كفرا.