التفسير : الأمانات التي يأمر الله سبحانه وتعالى بأدائها إلى أهلها ، كثيرة ، متنوعة ، وأهلها كثيرون مختلفون!
فهناك أمانة عامة حملها أبناء آدم جميعا ، هى أمانة التكليف ، التي أبت عوالم السماء والأرض أن تحملها ، وأشفقت من حملها ، والقدرة على الوفاء بها ..
وأمانة التكليف هذه ، هى التي أفردت الإنسان عن سائر المخلوقات ، بالعقل ، الذي به أصبح الإنسان سيد نفسه ، بما له من قوى التفكير ، والتقدير ، والإرادة .. فإن شاء تقدم ، وإن شاء تأخر ، حسب ما يرى ويقدّر!
ولهذا كان عالم الناس مجموعة عوالم ، بعدد أفراد الناس ، فردا ، فردا .. فكل إنسان عالم وحده ، فى تفكيره ، وتقديره ، وعواطفه ، ومنازعه ، وسلوكه ، حتى لا يكاد يتساوى إنسان وإنسان بحال أبدا .. على خلاف الكائنات الأخرى ، علويّها وسفليّها .. كل عالم منها ينتظم جميع أفراده ، التي لا يختلف. فيها واحد عن آخر ، حتى لكأنها عدد مكرر من أعداد الحساب!
وهذا التفرد الذي كان للإنسان ، هو طموح جامح ، منّته به نفسه الغرور ، فارتفع إلى المستوي الرفيع الذي إن زلّت به قدمه فيه ، سقط من علو شاهق ، وهوى إلى أسفل سافلين .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ* ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ)
(٤ ـ ٥ ـ ٦ : التين)
فالإنسان إذ حمل هذه الأمانة ـ أمانة التكليف ـ أصبح سيّد الكائنات كلها ، لا سيّد فوقه إلا الله سبحانه وتعالى ، فهو بهذا الخلق القويم الكريم ظلّ الله فى هذا الوجود ، تتخايل فيه لمحات من علم الله ، وقدرته ، وإرادته ، وكثير من صفاته ، سبحانه وتعالى علوّا كبيرا عن الشبيه والمثيل!