وعلى هذا يمكن أن يفهم ما تحدّث به التوراة عن الله تعالى : «وقال الله : نعمل الإنسان على صورتنا ، كشبهنا .. فخلق الله الإنسان على صورته .. على صورة الله خلقه ، ذكرا وأنثى خلقهم الله.» (١)
وإذ حمل الإنسان هذه الأمانة ، وتحدّى الموجودات كلها ، التي أشفقت من حملها ، فإنّ من البر بنفسه ، والكرامة لإنسانيته ، أن يرتفع إلى هذا المستوي الكريم ، وأن يرعى هذه الأمانة حق رعايتها ، وأن يؤديها إلى أهلها ، وهو الله سبحانه وتعالى ، وذلك بالتعرف على الله والإيمان به أولا ، ثم الاستقامة على طريق الحق والخير على ما شرعه الله ورسمه.
وأداء هذه الأمانة على وجهها ، هو ضمان وثيق لأداء الأمانات كلها ، لأن كل أمانة بعد هذا هى بعض من تلك الأمانة الكبرى ، وأثر من آثارها .. فما بين الناس والناس من أمانات ماديّة ، وعقود ، وعهود .. هو مما يندرج تحت هذه الأمانة وينضوى إليها ..
وقوله تعالى : (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) هو استنجاز لأداء بعض الأمانة التي حملها الناس .. وهى الحكم بالعدل بين الناس .. لأن العدل صفة من صفات الله ، وفى الإنسان لمحة من هذه الصفة .. وفى خروجه عن العدل ، خيانة للأمانة التي حملها ، وجناية على نفسه ، وردّة لها إلى أسفل سافلين.
وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) تحريض قوي على امتثال هذا الأمر الكريم ، وتلك الموعظة الحسنة ، لأنها دعوة من الله إلى خير ، ولا يدعو الله إلا إلى الخير ولا يأمر إلا بالخير ..
__________________
(١) التوراة : سفر التكوين ـ الإصحاح الأول.