والمراد بميراثهم الأرض ، أنهم هم الذين ينتفعون بحياتهم فيها ، ويتزودون فيها الزاد الطيب ، الذي يلقونه يوم القيامة ، فيكون لهم مطية يجوزون بها النار إلى الجنة ، حيث ينعمون ينعيمها الخالد .. فهذا كلّ ما يجنى من ثمر ، وما يحصل من خير فى هذه الدنيا ، وهو الذي يستحقّ أن يسمى ميراثا ..
أما غير المؤمنين ، فإنهم مهما ملكوا من هذه الدنيا ، ومهما وقع لأيديهم منها من مال ، وجاه ، وسلطان ـ فلن يكون لهم من هذا شىء فى حياتهم الآخرة ، بل سيكون عليهم وبالا وحسرة ، على حين تمر بهم حياتهم الدنيا ، وكأنها ضحوة يوم أو عشيته .. (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها). (٤٦ : النازعات).
فالمراد بالميراث هنا ، الميراث النافع ، الذي يبقى لما بعد الموت ، حيث يجده الإنسان ، وكأنه فى حياته الثانية ، قد ورث حياته الأولى .. أو كأنه هذا الحىّ فى الآخرة ، الذي ورث هذا الميت الذي كان فى الدنيا .. وهذا هو بعض السرّ فى التعبير بكلمة (يَرِثُها) ..
قوله تعالى :
(إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ) ..
أي إن فى هذا الذي تحدّث به القرآن الكريم من قصص ، وما فيه من عبر ـ لبلاغا ، أي لبيانا كاشفا شافيا .. أو أن فى هذا الحكم الذي ضمّت عليه الآية الكريمة : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ..) ـ إن فى هذا لبيانا مبينا وحجة قاطعة ، يتلقى منها العابدون العبرة والعظة.
والمراد بالعابدين ، المؤمنون ، وقد ذكروا بالصفة الغالبة عليهم ، وهى التعبد لله ، والولاء له .. فلا يكون المؤمن مؤمنا إلا إذا عبد الله ، وذكره ، ذكرا متصلا ..