والضرّ؟ وإذا لم يكن الإحسان .. فهلا كانت العافية من البلاء؟ وإذا كان هذا الابتلاء مرادا لغاية هى تطهير النفوس ، وتزكيتها ، وتخليصها من الآفات والعلل .. فهلا كان ذلك بالإحسان والإنعام .. وقدرة الله لا يعجزها شىء ، ولا يحدّها حدّ ، ولا يقيدها قيد؟
والجواب عن هذا كله :
أولا : أن الله سبحانه وتعالى كما ابتلى بالخير ، ابتلى بالشر ، كما يقول سبحانه وتعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (٣٥ : الأنبياء) .. وقد ابتلى الله ـ سبحانه ـ سليمان عليهالسلام بالكثير الغدق من النعم ، فسخّر له الريح والجنّ ، وعلّمه لغة الحيوان والطير ، وجعلها جنودا من جنده ، ووضع بين يديه من القوى الظاهرة والخفية ، ما جعل له ملكا وسلطانا لم يكن لأحد من بعده كما يقول الله سبحانه وتعالى : (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (٣٥ : ص) وقد أجاب الله سبحانه وتعالى ما طلب ، فقال سبحانه : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٣٦ ـ ٣٩ : ص) حتى إن سليمان نفسه ليستكثر هذا الإحسان الذي لا يكاد يتسع له وجوده ، فيقول : (يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) (١٦ : النمل) وحتى إنه ليجد نفسه عاجزا عن الوفاء بشكر القليل من هذا الفضل العظيم ، فيقول : (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) (١٩ : النمل).
فالابتلاء بالإحسان والخير ، عند من يعرف قدر الإحسان ، وفضل المحسن وجلاله وعظمته ـ لا يقلّ مئونة وعبئا ، عن الابتلاء بالمساءة والضر .. إنه ابتلاء!