ومن منطق هؤلاء الضالين ، أنهم يتهمون النبىّ بالكذب والافتراء ، وهم الذين لم يجرّبوا عليه في حياته كلّها قولة واحدة جانبت الصواب ، أو بعدت عن الصميم من الحقّ .. ولم يسألوا أنفسهم : لم يكذب؟ وما غايته من هذا الكذب؟ إن الذي يزوّر الكلام ، ويختلق الأكاذيب ، لا بدّ أن يكون له وراء ذلك غاية يتغيّاها ، ومطلب يسعى للحصول عليه .. فماذا طلب النبىّ منهم من وراء هذا الدّين الذي يدعوهم إليه؟ إنهم ـ لو عقلوا ، لعرفوا أنما يدعوهم ليحترموا عقولهم ، وليرتفعوا بإنسانيتهم عن هذا الصّغار الذي هم فيه ، من لعب في التراب!
ومن عجب ، أن هؤلاء الرجال الأطفال ، قد استطاعوا أن يميزوا هذا القول ، وأن يعرفوا أنه فوق مستوى البشر ، وأنه ما كان لمحمد أن يقدر على افترائه ، وإنما استعان بأهل الصنعة والخبرة فأعانوه عليه ـ من عجب أن تبهرهم آيات الله ، وأن يروا بعض ما فيها من عظمة وجلال .. ثم تأبى عليهم عقولهم التي أذلّها الجهل والضلال ، أن يسلّموا بأن هذا الكلام ليس من صنعة بشر ، وإنما هو من كلام ربّ العالمين ، كما يقول لهم ذلك محمد ، الذي لم يجرّبوا عليه كذبة قط ، وكما تحدّثهم بذلك كلمات الله ، فى جلالها ، وسموّها ، وبعدها عن أن تكون في متناول إنسان!.
ـ وفي قوله تعالى : (فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً) ـ هو ردّ على قول الكافرين : (إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ..) إنهم هم الذين جاءوا بهذا القول الظالم ، الجائر عن الحق ، والذي زوّروه على أنفسهم ، وكذّبوا عليها به ..
وفي تعدية الفعل «جاء» إلى المفعول ، وهو يتعدّى بحرف الجرّ ، فيقال