هذا ما جاء قوله تعالى : (وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ) لينبه إليه ، وليصحّح مشاعر العابدين خاصة ، بهذا الذي كان منه سبحانه لعبده أيّوب ـ عليهالسلام ـ وما ابتلاه به ، فى نفسه ، وأهله ، وماله ، بما لم يكد يبتلى به أحد من عباد الله ..!
وقد كان أيوب ـ عليهالسلام ـ من خير العابدين المقربين إلى الله ، حين مسّه الضرّ ، كما كان من خير الصابرين على البلاء ، الطامعين فى رحمة الله ، المطمئنين إلى قضائه فى عباده ، الواثقين بحكمته وبعدله .. بعد أن لبسه الضرّ وعاش فيه.
وإذن فليس المؤمنون ، العابدون ، الساجدون ، بمعزل عن الابتلاء بالضرّ والأذى ، بل إنهم أكثر الناس تعرضا للبلوى ، وذلك ليبتلى الله ما فى صدورهم ، وليمحص ما فى قلوبهم .. والله سبحانه وتعالى يقول للمؤمنين : (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) (١٨٦ : آل عمران) ويقول سبحانه : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (٢ : العنكبوت).
فأولياء الله وأحباؤه هم أكثر عباد الله تعرضا للابتلاء ، إذ كان ذلك هو الدواء المرّ ، الذي تذهب الجرعة ، منه بكثير من أمراض النفوس وعللها ، وهو النار المحرقة ، التي تنصهر فى حرارتها معادن الرجال ، فتصفّى من الخبث وتنقّى من الغثاء والزّبد! وبهذا تظهر عظمة الإنسان ، وتصفو موارده ، ويصبح ـ على ما يبدو عليه من ضعف ، وفقر ـ أقوى الأقوياء ، وأغنى الأغنياء ، ينظر إلى الدنيا ، وحطامها ، وما يتفاخر به الناس فيها من مال ، وجاه ، وسلطان ـ نظرته إلى أطفال يتلهون بلعبهم ، ويزهون بالجديد من ثيابهم!
ثم لعلك تسأل : أما كان غير هذا البلاء ، أولى بهم ، وهم أحباب الله وخلصاؤه؟ أو ما كان الإحسان إليهم بالخير أليق من التوجه إليهم بالمساءة