«أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة ـ أن يحلّ علىّ غضبك ، أو ينزل بي سخطك.
«لك العتبى حتى ترضى ..
«ولا حول ولا قوة إلا بك ..»
إنها مناجاة ، يتنفس فيها النبي أنفاس العافية ، ويطعم منها طعم الرضا ، ولهذا طالت تلك المناجاة ، ومشت كلماتها الهوينا على شفتى رسول الله ، كأنها تحمل أثقالا من الهموم التي ألمت به ، وتنطلق بها فى قافلة طويلة ممتدة بين الأرض والسماء!!
ثم انظر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم أحد ، وقد أحاط به المشركون ، وتعاورته سهامهم ورماحهم ، وكادت تصل إليه سيوفهم ، وقد شجّ صلوات الله وسلامه عليه ، وكسرت ثنيتاه ، واستشهد كثير من أصحابه ، وأحبابه ، ومن بينهم عمه ، أسد الله ، حمزة بن عبد المطلب. ومع هذا ، فما قال النبي فى هذا المقام ، إلا القولة التي لا يقولها إنسان غيره فى هذه الدنيا .. قال ـ صلوات الله وسلامه عليه : «اللهم اهد قومى ، فإنهم لا يعلمون»!!
وكما ابتلى الله سبحانه ، أولياءه بالبأساء والضراء ، ابتلى أعداءه بالنعماء والسراء ، فكان ذلك بلاء عليهم ، ونقمة من نقم الله بهم .. لقد زادتهم تلك النعم بعدا عن الله ، وعمى عن الحق ، وضلالا عن الهدى.
والقرآن الكريم يذكر لنا قارون ، كمثل من أمثلة الابتلاء بالنعم ، عند من لا يقدر على الوفاء بها ، ولا يقدرها قدرها ، فكان أن عجل الله له الهلاك فى الدنيا ، ثم أعدّ له عذاب السعير فى الآخرة .. وكذلك فرعون ، الذي بسط له فى السلطان ، وأمدّه بموفور النعم ، فما زاده ذلك إلا كفرا بالله ، ومحادة له .. فمات تلك الميتة الشنعاء ، وكان مثلا وعبرة لأولى الأبصار ..