(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (١٤ : الحجرات) .. ومنه قوله تعالى في المنافقين : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) (١١ : الفتح) .. أما المؤمنون ، فالإيمان ملء قلوبهم ، يعمرها باليقين والسكينة ، والرضا .. كما يقول سبحانه : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) (٢٢ : المجادلة) .. أي مكنه من قلوبهم ، وثبته فيها كما يثبت الشيء بالكتابة ..! وأصله من الكتب ، وهو ضم الشيء إلى الشيء ، ووصله به.
وعلى هذا ، يكون معنى قوله تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) أنه ثبّت ما نزل به الوحى في قلبه ، ومكن له فيه ـ فكان قلبه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ مستودع كلمات الله ، تجد فيه مستقرها ومستودعها ، حيث تعطى أكثر ما فيها من ثمر مبارك طيب ، وحيث تنزل الكلمة الطيبة ، فى هذا القلب الطيب المصفى من كل دخل ، فتكون كما وصفها الله في قوله تعالى : (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ .. تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) (٢٤ ـ ٢٥ : إبراهيم) ومن هنا تتحول كلمات الله في قلب الرسول إلى معان شريفة كريمة ، وإلى سلوك شريف كريم .. فكان الرسول بهذا الأدب الرّبانى ، كما يقول عن نفسه ، صلوات الله وسلامه عليه : «أدبنى ربى فأحسن تأديبي». وكما تقول السيدة عائشة ، رضى الله عنها ، عنه : «كان خلقه القرآن» هذه واحدة ..
وأخرى .. هى أن إعجاز القرآن ، ليس في معانيه ، وإن كانت تلك المعاني معجزة في سموها ، واستوائها على ميزان ، الحق ، والعدل ، والإحسان .. ولكن المعجزة المتحدية في القرآن هي نظمه الذي جاء عليه ، وبلاغة هذا النظم هو الذي أعجز منطق العرب ، وأخرس ألسنتهم .. ولهذا فقد تحداهم القرآن أن