قوله تعالى :
(إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ).
هو تحريض للنبيّ على المضيّ في طريقه ، غير ملتفت إلى أهل آراء والخلاف .. وغير آسف على ما يوردهم به هذا المراء والخلاف من موارد الهلاك والبلاء .. فإنهم موتى ، إذا نودوا لا يسمعون ، وإنهم صمّ ، لا تقع الكلمات على آذانهم إلا كما تقع على الحجر الأصمّ ..
وفي تشبيه القوم بالأموات ، وفي وصفهم بعد ذلك بالصمم ـ إشارة إلى أنهم درجات في الإعراض عن آيات الله. فمنهم من لا يستمع إلى آيات الله أبدا ، ولا يدنو من صوت يرتل كلمات الله ، خوفا على نفسه أن يقع تحت تأثيرها ، فهو يهرب منها ، ويقيم على نفسه حجابا بينه وبينها .. وهذا هو والميت سواء بالنسبة لما يتلو الرسول من قرآن .. ومنهم من يسمع القرآن ، لا ليتدبّر آياته ، ولا ليعرض ما يسمع على عقله ، وإنما ليقع على كلمة ، يدبرها على غير وجهها ، ويتخذ منها مادة للهزء والسخرية .. فهو بهذا أصمّ ، وإن كان ذا أذنين يسمعان!
وقوله تعالى : (إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) ـ هو شرط لإفادة الحكم بعدم سماعهم ، وهو ـ فى معناه ـ قيد وارد على هذا الحكم ، أشبه بالحال .. أي أنهم لا يسمعون ما يلقى إليهم وهم يولّون مدبرين ..
والسؤال هنا : كيف يكون عدم سماعهم مقيدا بهذا القيد ، وهم صمّ ، والأصمّ لا يسمع مطلقا ، سواء أقبل أو أدبر؟
والجواب على هذا ـ والله أعلم ـ أن الأصم وإن كان لا يسمع بأذنيه ، فإنه إذا أقبل على محدثه ، ربما فهم عنه بالإشارة ، وربما قرأ على حركة شفتيه