وعليه فالله سبحانه وتعالى قد يُنزَّل السورة متفرقة ـ في ذوات العدد مقدمة بعضها على الآخر ـ ثم يأمر بجمعها حسب ترتيبه في اللوح المحفوظ ، وقد تنزل السورة كاملةً ثمّ تبدأ الأحداث الواقعة فيها شيئاً فشيئاً ، أي : أنّ جبريل الأمين كان يأتي مرّةً أُخرى إلى النبيّ بالآيات المرتبطة بتلك الوقائع النازلة في تلك السورة ، فيقرأها النبيّ صلىاللهعليهوآله على الناس ، فيظهر لهم أنّهم كانوا قد سمعوها قبل هذا التاريخ ، لأنّ الناس عموماً لا يدركون عمق حقائق القرآن ودقائقَه ، وبهذه الطريقة كان يظهر إعجاز القرآن لهم بصورةٍ يفهمونها ، لأنّ الإخبار بالمغيّبات قبل حدوثها دليلٌ على صدوره مِن عند علّام الغيوب ، فلمّا جاءهم رسول الله صلىاللهعليهوآله بالآيات قبل وقوع الأحداث فهموا بأنّه منزَلٌ من عند الله ، كقوله تعالى : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) (١) وقوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ) (٢) وأمثالهما.
بلى قد تُنْزَلُ آية آية ثمّ يؤلّف منها سورة سورة طبقاً لما نزل من اللّوح المحفوظ إلى البيت المعمور أو على صدر النبي محمد ، وذلك بالتنسيق بين جبرئيل عليهالسلام ورسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلا يجوز للنبي قراءة الآيات التي علم بوجودها في اللوح المحفوظ قبل وقوعه (٣) ، لأنّ من أهداف النزولمنجَّماً ـ كما قلنا ـ هو
__________________
(١) سورة الروم : ٣.
(٢) سورة الفتح : ٢٧.
(٣) أي نزولها التدريجي الإقرائي ، قال سبحانه : (وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ).