السبب قطعي ، وإخراجها بالاجتهاد ممنوع إجماعا (١). وبعبارة أخرى : إذا كان هناك لفظ قرآني ، نزل بصيغة العموم ثم ورد دليل على تخصيصه ، فإن معرفة السبب تقصر التخصيص على ما عدا صورته ، ولا يصح إخراجها ، لأن دخول صورة السبب في اللفظ العام قطعي ، فلا يجوز إخراجها بالاجتهاد ، لأنه ظنّي ، وهذا رأي الجمهور.
مثال ذلك : قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ، يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ، يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (النور : ٢٣ ، ٢٤ ، ٢٥) أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) (أي الآية السابقة). نزلت في عائشة خاصة (٢).
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية أيضا : هذه في عائشة ، وأزواج النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولم يجعل الله لمن فعل ذلك توبة ، وجعل لمن رمى امرأة من المؤمنات من غير أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم التوبة ، ثم قرأ :
(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ...) الى قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) (٥).
ولنا القول : إن الآية الخامسة من سورة النور ، وهي قوله تعالى :
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور : ٥).
وهي تنص على قبول توبة القاذف ، وإن كانت مخصصة لعموم
__________________
(١) السيوطي ، الإتقان ، ص : ٢٩.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والحاكم وصححه.