تجارتكم (١) إلى الشام؟ فأنقذه منهم ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا إليه ، فأكبّ العباس عليه.
وعند مسلم من طريق عبد الله بن الصامت عن أبي ذرّ في قصة إسلامه : وفي أوله : صليت قبل أن يبعث النبيّ صلىاللهعليهوسلم حيث وجّهني الله ، وكنا نزلا مع أمّنا على خال لنا ، فأتاه رجل ، فقال له : إن أنيسا يخلفك في أهلك ، فبلغ أخي ، فقال : والله لا أساكنك ، فارتحلنا ، فانطلق أخي ، فأتى مكة ، ثم قال لي : أتيت مكة فرأيت رجلا يسمّيه الناس الصابئ هو أشبه الناس بك. قال : فأتيت مكة فرأيت رجلا ، فقلت : أين الصابئ؟ فرفع صوته عليّ فقال : صابئ صابئ! فرماني الناس حتى كأني نصب (٢) أحمر ، فاختبأت بين الكعبة وبين أستارها ، ولبثت فيها بين خمس عشرة من يوم وليلة ما لي طعام ولا شراب إلا ماء زمزم ، قال : ولقينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر وقد دخلا المسجد ، فو الله إنّي لأوّل الناس حيّاه بتحية الإسلام ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله. فقال : «وعليك السّلام ورحمة الله. من أنت؟» فقلت : رجل من بني غفار ، فقال صاحبه : ائذن لي يا رسول الله في ضيافته الليلة ، فانطلق بي إلى دار في أسفل مكة ، فقبض لي قبضات من زبيب ، قال : فقدمت على أخي فأخبرته أني أسلمت ، قال : فإنّي على دينك ، فانطلقنا إلى أمنا فقالت : فإنّي على دينكما. قال : وأتيت قومي فدعوتهم. فتبعني بعضهم.
وروينا في قصة إسلامه خبرا ثالثا تقدمت الإشارة إليه في ترجمة أخيه أنيس ، ويقال : إن إسلامه كان بعد أربعة ، وانصرف إلى بلاد قومه ، فأقام بها حتى قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة ، ومضت بدر وأحد ، ولم تتهيأ له الهجرة إلا بعد ذلك ، وكان طويلا أسمر اللون نحيفا.
وقال أبو قلابة ، عن رجل من بني عامر : دخلت مسجد مني فإذا شيخ معروق آدم ، عليه حلّة قطري (٣) ، فعرفت أنه أبو ذر بالنعت.
وفي مسند يعقوب بن شيبة ، من رواية سلمة بن الأكوع ـ أنّ أبا ذر كان طويلا.
وأخرج الطّبرانيّ من حديث أبي الدرداء قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يبتدئ أبا ذر إذا حضر ، ويتفقده إذا غاب.
__________________
(١) في أتجاركم.
(٢) النصب : هي الآلهة التي كانت تعبد من الأحجار اللسان ٦ / ٤٤٣٥.
(٣) هو ضرب من البرود فيه حمرة ، ولها أعلام فيها بعض الخشونة ، وقيل : هي حلل جياد تحمل من قبل البحرين ، وقال الأزهريّ : في أعراض البحرين قرية يقال لها : مطر ، وأحسب الثياب القطرية نسبت إليها فكسروا القاف للنسبة وخففوا. النهاية ٤ / ٨٠.