ولرسلك بالرسالة.
قال تعالى ونفذ اليهود مكرهم في محاصرتهم منزل عيسى ليأخذوه ويصلبوه ، ومكر الله تعالى وهو خير الماكرين إذ قال لعبده ورسوله عيسى إني متوفيك أي قابضك ورافعك إلى جواري فقبضه تعالى فأخرجه من روزنة (١) المنزل ورفعه (٢) إليه وألقى الشبه على رئيس شرطة المهاجمين فظنوه هو المسيح فقتلوه وصلبوه فسبحان المدبر الحكيم ، وهكذا (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٣) وقوله له ومطهرك من الذين كفروا يريد منزهه من تهم اليهود الباطلة إذ قالوا ساحر وابن زنى ، ومبعده من ساحة مجتمعهم الذي تعفن بكفرهم والخبث والشر والفساد وواعده بأنه سيجعل الذين اتبعوه فيما جاء به من الإيمان والاسلام والإحسان فوق الذين كفروا بذلك إلى يوم القيامة وقد أنجز الله تعالى وعده فأعز أهل الإسلام ونصرهم ، وأذل اليهود والكفار وأخزاهم. كما واعده أيضا أن يرد الجميع إليه يوم القيامة ويحكم بينهم فيما اختلفوا فيه في الدنيا من الإيمان والكفر ، والصلاح والفساد ويجزي كل فريق بما كسب من خير أو شر فقال : (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) في الدنيا بالقتل والسباء والذلة والمسكنة ، وفي الآخرة بعذاب النار ، وما لهم من ناصرين يخلصونهم من عذابنا ، وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجور إيمانهم وصالح أعمالهم في الدنيا نصرا وتمكينا وفي الآخرة جنّات ونعيما ، والله عزوجل لا يحب الظالمين فكيف يظلم عباده إذ جازاهم بأعمالهم؟ إنه لا يظلم أحدا من عباده مؤمنهم وكافرهم مثقال ذرة بل يجزي بعدله ويرحم بفضله.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ قيام الحجّة على نصارى نجران إذ أخبرهم الرسول صلىاللهعليهوسلم بالوحي فقرّر به بطلان ألوهية عيسى عليهالسلام بذكر أوصافه وأحواله مع قومه ، وكرامة الله تعالى له ، ولأتباعه معه ومن بعده في الدنيا والآخرة.
__________________
(١) الروزنة : الكوة في السقف أو الجدار.
(٢) لم أر داعيا إلى استشكال الكثيرين رفع عيسى حيّا إلى الملكوت الأعلى وإبقاءه هناك إلى أن ينزله في آخر أيام هذه الدنيا حيث صرّح رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنزول عيسى بما لا مجال للشكّ فيه ، إنّ السنن الكونية خلقها الله تعالى فهو قدير على تبديل ما شاء منها أليس الله على كلّ شيء قديرا؟ بلى فلم إذا يرتبك المؤمنون في شأن رفع عيسى حيا وإبقائه في دار السّلام حيّا حتى ينزل في آخر الدنيا؟
(٣) ورد أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم كان يقول في دعائه «اللهم امكر لي ولا تمكر علي» ومما يجب أن يعلم أنّ أفعال الله لا تشبه أفعال العباد لأنّ ذاته لا تشبه ذواتهم.